عندما يرقص نتنياهو على حافة الهاوية
| منذر عيد
شكل العدوان البري الإسرائيلي على منطقة رفح جنوب قطاع غزة، وسيطرة الاحتلال على المعبر من الجانب الفلسطيني، كرة نار، تقصّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدفع بها بالتزامن مع إعلان حركة حماس موافقتها على اتفاق وقف إطلاق النار، لنسف جميع جهود السلام وإنهاء العدوان على غزة، لتكشف التطورات المتسارعة أن الوضع أوسع وأكبر مما يجري في غزة، وبأن الاتفاق ليس مجرد مناورة تتخذها حكومة نتنياهو، دون الذهاب إلى الانخراط بها بشكل جدي، ليقينها أن التوقيع على الاتفاقية سيكون مقتلها، سواء سقطت مباشرة، أم استمرت لتواجه مسائلات قانونية وسياسية حول الهزيمة وعدم تحقيق أهداف العدوان على غزة طوال سبعة أشهر.
هروب نتنياهو من الاتفاق وإنهاء العدوان، بالذهاب إلى عدوان على رفح، لن يكون العصا السحرية التي سوف تفلته من الحساب، ولن يكون سلم النجاة الذي سوف ينزله من أعلى الشجرة التي صعد عليها، بطرحه سقوفا عالية في بداية العدوان، بل سوف تزيد الخناق عليه، وتشد من حبل الانتقادات الدولية الذي يلف حول عنقه، كما أن تلك العملية في رفح سوف تتجاوز في إرباكها أوساط الكيان الصهيوني، لتطول الولايات المتحدة الأميركية، والداعمين الغربيين، خاصة مع خروج المزيد من صور أشلاء الأطفال والنساء والدمار إلى الفضاء الخارجي، ليعبر زعيم المعارضة في الكيان الإسرائيلي يائير لابيد عن أول الارتباكات بقوله: «لو كنت أنا رئيس الوزراء كنت سأقوم بتأجيل العملية العسكرية 48 ساعة على الأقل»، متسائلاً: «إذا كان قد انتظر لأشهر فلماذا الآن هذا إلا إذا كان لإفشال الصفقة»؟
لقد عول نتنياهو كثيراً على رفض المقاومة الفلسطينية لاتفاق الهدنة، إلا أن الأخيرة نجحت وباقتدار في سياسة عض الأصابع، وتمكنت باقتدار وإستراتيجية محنكة من احتواء وإسقاط أهداف العدوان، والذي أصر نتنياهو أن يكون عنوان ذاك العدوان «النصر المطلق»، وما يخفيه من تفاصيل خبيثة، أقلها القضاء وبشكل نهائي على حركة حماس، وتفريغ القطاع من ساكنيه عبر عملية تهجير قسري إلى الشتات، لتحول المقاومة جميع تلك الشعارات والعناوين إلى «هزيمة إستراتيجية» خسر الاحتلال من خلالها صورته التي عمل على بنائها طوال عقود، وعلى ما يبدو لن يستطيع بتلك السهولة ترميم ما لحق به من هزائم، لتؤكد صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن «إنهاء الحرب يعني لجنة تحقيق، احتجاجات أكبر، وأسئلة صعبة» في إسرائيل.
الحقيقة الأبرز والأوضح أن إسرائيل هُزمت وانكسرت شوكتها، مع أول رصاصة أطلقها ذاك المقاتل في المقاومة الفلسطينية في عملية «طوفان الأقصى»، تلك العملية التي عرت الغرب وزيف ما يدعي من ديمقراطية، وكشفت هشاشة الكيان المصطنع، وبأنه عبارة عن تمساح بفكين، أميركي وأوروبي، وعليه فإنه كان على نتنياهو وقادة الكيان الاستماع جيداً إلى ما قاله الكاتب الصهيوني ناحوم بارنياع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»: إن «إنهاء القتال في غزة والذهاب نحو صفقة تبادل هو قرار إستراتيجي يفتح الباب للخروج من الحفرة التي وقعنا فيها في 7 تشرين الأول».
يجمع جميع المحللون وأصحاب الرأي أن ذهاب نتنياهو إلى عملية في رفح، هو غوص أكبر في رمال غزة، وليس سوى محاولة للهروب من المستقبل، وما ينتظره من مصير شديد السواد، وبأن تلك العملية ليست سوى قرار «خبط عشواء» دون استراتيجية واضحة، وهو ما أكدته «معاريف» بالقول «إذا سألتم الجيش ماذا يريد المستوى السياسي منه، فإن الجيش لا يعرف الإجابة، ولا يعرفها المستوى السياسي أيضا».
ثمة حقائق جمة لا يمكن للعدو الصهيوني وداعميه نكرانها، وهي أن مقاومة وشعباً صمدوا سبعة أشهر في وجه آلة القتل والإبادة الجماعية، لن يستسلموا في الربع الساعة الأخير من إعلان النصر، وبأن نتنياهو يواجه ضغوطا داخلية وخارجية، أعجز من أن يصمد أكثر في وجهها، ليكون السؤال الأصعب على نتنياهو، ماذا لو قام من خلال اجتياح رفح بتدمير كل حجر، وعمل على حراثة أرضها شبراً شبراً، ولم يجد أياً من جنوده الأسرى، ولم يتمكن من العثور على قادة المقاومة، وخرج رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزّة يحيى السنوار، بعد حين ليؤكد استمرار المقاومة؟
الوقائع تقول إن رفح هي الورقة الأخيرة، والقليل من الأمتار، فيما يمتلكه نتنياهو من خطط في غزة، ووجود نتنياهو هناك ليس سوى الرقص على حافة الهاوية، لكونها منطقة مفصلية تشكل مفتاح النصر والهزيمة، وعملياً هو في مأزق بين الإقدام والتراجع، وفي كلتا الحالتين فالنتيجة هي الخسارة، خسارته إذا ما قام بالأولى عالمياً، وخسارته في الثانية داخلياً.