قضايا وآراء

«بروكسل 8» للمانحين.. دوران في الحلقة عينها

| عبد المنعم علي عيسى

منذ أن انطلق «مؤتمر بروكسل» للمانحين حول سورية شهر نيسان من العام 2017 كانت الفكرة تقوم حول تعزيز وضعية اللاجئين السوريين في مناطق لجوئهم منعاً لتحولهم إلى موجات نزوح، حيث المخاوف كانت تنبع من أن وجهة هذه الأخيرة الأوزن ستكون صوب القارة الأوروبية لاعتبارات عدة، لعل أبرزها هو القرب الجغرافي ناهيك عن مستوى الحياة المعيشة الجيد، ثم المرونة التي تبديها المجتمعات الأوروبية تجاه انخراط آخرين فيها كنتيجة لتوافر شتى أنواع الحريات.

خلال الجولات السبع السابقة من «بروكسل» جرت العادة أن ينعقد المؤتمر على مدار يومين يخصص الأول منهما للحوار الذي كان يدور بين مؤسسات أوروبية وبين منظمات «المجتمع المدني» السورية المدعوة للحضور، في حين يخصص الثاني لاجتماع وزراء خارجية الدول المانحة الذي يكشف في نهايته عن حجم الدعم المقدم، وكذا توزيعه على دول اللجوء السوري، والذي كانت تحكمه الاعتبارات السياسية بدرجة تطغى على أي اعتبارات «إنسانية» كما يفترض لها أن تكون، لكن الجولة الثامنة، التي انعقدت بالعاصمة البلجيكية يوم 30 نيسان المنصرم، خالفت ذلك التقليد، أقله في الشكل، حيث تأجل الفعل تجاه المضمون إلى وقت لاحق، وما جرى هو أن الجولة التي حضرها 800 شخصية، منهم 300 من السوريين، كانت قد شهدت جولات حوار موسعة تتناول محاور عدة كلها تتعلق بتوسعة الدور الذي يجب على «منظمات المجتمع المدني» في سورية أن تلعبه في المستقبل، إلا أن كثافة الحضور السوري لم يستدع، كما يفترض، ترك مساحة أكبر لحديث هؤلاء الذي بقي عند حدوده السابقة، هذا إن لم يكن قد تقلص قليلاً، أما اجتماع وزراء الدول المانحة فقد تأجل انعقاده ليوم 27 أيار الجاري، مع خروج تصريحات عديدة تؤكد على أن الفعل لا علاقة له بخلافات حول حجم الدعم الذي سيقدم هذا العام، وأن سقوفه لن تنخفض عن تلك التي وقف عندها، شهر حزيران من العام الماضي، والتي بلغت 5.6 مليارات يورو.

لم تحمل «بروكسل 8» أي جديد، وكل مخرجاتها كانت تكراراً لنظيراتها في الجولات السبع السابقة، بل إن «الأوروبيين» بدوا أكثر تخبطاً مما كانوا عليه في السابق تجاه الملف السوري، ولربما كان ذلك ناتجاً عن غياب، أو غموض، الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة، والذي يتعاطى معه الأوروبيون كما «البوصلة» التي تحدد اتجاهات سيرهم نحو كل الملفات بما فيها الملف السوري الذي أظهروا فيه نزعة «التحاقية» طاغية على الرغم من أن المصلحة الأوروبية كانت تفترض اشتقاق دور مستقل بدرجة ما تأخذ بعين الاعتبار تلك المصلحة التي باتت تنتابها نزعة أميركية قوامها «ترتيب أوراق البيت الداخلي الشرق أوسطي».

الجديد في «بروكسل 8» هو أن «سورية لم تعد ضمن أولويات الدول الداعمة لها» وفقاً للتوصيف الذي استخدمه الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لويس ميغيل بونيو، والمؤكد أن ما قصده هذا الأخير بقوله ذاك: إن الحل السياسي للأزمة السورية لم يعد مدرجاً على جدول أعمال الدول الأوروبية التي تشكل أغلبية في الدول المانحة، ولربما كان في تصريح بونيو ما يدعو إليه قياساً لمعطيات عدة أبرزها تلك الصورة المتراكمة مؤخراً تجاه الملف السوري والتي تثبت حدوث تحول في المزاج العام الدولي تجاه هذا الأخير، وفي القلب منه «المزاج الأميركي» الذي فضل عدم الوقوف كعائق أمام توجهات إقليمية – دولية راحت تحث خطاها مؤخرا نحو مد الجسور المنقطعة مع الحكومة السورية، منذ أن قررت هي نسف تلك الجسور، انطلاقاً من قراءات أثبتت خطأها بدليل ذهابها نحو ذلك الفعل الذي راح يتنامى بشكل لافت منذ مطلع الصيف الماضي، والراجح أنه سينحو باتجاه تصاعدي خلال الأشهر المتبقية من هذا العام، وهنا يمكن اعتبار تصريح بونيو كمحطة انتظار أرادها الأوروبيون ريثما ينقشع الضباب قبيل أن يقرر قطارهم معاودة الرحلة من جديد.

من الصعب الرهان على دور أوروبي مستقل تجاه الأزمة السورية، أو تجاه أي صراع آخر، والأوروبيون اليوم محور اهتمامهم ينصب على درء الخطر الذي يستشعرونه عبر إمكان حدوث موجات نزوح نحو أراضيهم، وهذا لا يرقى لمستوى الدور الذي يجب أن تضطلع به دول، وشعوب، تحب أن يجري توصيفها على أنها الأكثر «رقياً» من حيث القيم والأفكار والمبادئ على الرغم من أن الفعل يشوبه الكثير مما يجعل ذلك «الحب» غير قابل للحياة، أو أن درجة مشروعيته تبدو ناقصة، والشواهد على ذلك عديدة، ولربما كان أنصعها مواقف القارة العجوز تجاه الصراع الدائر راهناً في غزة التي تحولت إلى «محرقة» هي الأعتى مما شهده هذا القرن، ولربما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محقاً في تصريحاته التي أطلقها يوم 25 نيسان الماضي محذراً من أن أوروبا باتت «مهددة بالموت»، وهي «مطوقة»، وتواجه خطر «التراجع» في مواجهة التحديات التي تعترض مسارها.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن