في يوم الاجتماع الموسع لحزب البعث العربي الاشتراكي سألني أحد القراء الأعزاء:
هل سيغيب الحدث البعثي تماماً عن كتاباتك هنا أو في إحدى زاوياتي الصحيفة؟
أعترف أنني حاولتُ كثيراً الابتعاد عن التعاطي مع الحدث لأنني كمواطن مستقل عن أي أفكار حزبية يمينية كانت أم يسارية رأيتُ فيه شأناً حزبياً داخلياً لا يحق لي التدخل بهِ تحديداً بعد نزع صفة القائد للدولة والمجتمع دستورياً عن الحزب، إضافة إلى ذلك فإن هذا الحزب بعراقتهِ وبما يضم إليه من شخصيات فكرية وعلمية وسياسية بعضهم أساتذة نتعلم منهم بكل فخر يستطيع أن يتعاطى بحرفيةٍ مطلقة مع كل المتغيرات والمتطلبات المرحلية ما دامت إرادة التغيير انطلقت.
لكن للأمانة فشلت في الصراع بيني وبين تجاهل الحدث لأن كل ما فيهِ كان يُغري أفكارك بأن تصبح كلماتٍ على الورق، من كلمة أمينه العام بشار الأسد التي هي بالنهاية أقرب لتحديد ملامح السياسة الداخلية للحزب الحاكم، مروراً بأدق التفاصيل المتعلقة بآليات الانتخاب، وصولاً إلى تسمية الأمين العام المساعد، مع ذلك حاولت الصمود وقلت في نفسي دعهم يعملوا بصمت، لكن ما دفعني لكتابة هذه السطور ليسوا البعثيين أنفسهم وإن كان الأمر يتعلق بمؤتمرهم، ما دفعني لكتابة هذه السطور هم أولئك الذين يجعلونك تتساءل مع كل كلام يقولونه أو يكتبونه:
ماذا يريد هؤلاء؟
انتقاد لمجردِ الانتقاد، هجوم على الحزب لمجردِ الهجوم، نظرة تشاؤمية يوزعونها بين سطورهم لأسباب كيدية، انتقاد لشعارات البعث، وعندما تدقق بشعاراتهم ستجد ما يجعلك تبتسم لتقول: حسبنا اللـه ونعم الوكيل!
على هؤلاء أن يستوعبوا أن تبادل الأفكار بطريقةٍ راقية خلال الأحداث المفصلية هو أمر صحي، التوعية عن الأخطاء كذلك الأمر هو أمر مطلوب، وبالمناسبة وللأمانة التاريخية وعن تجربة شخصية أكاد أجزم أن القيادات البعثية هي أكثر تقبلاً للانتقاد من مثيلاتها في الأحزاب الثانية، لكن من الضروري طرح الأفكار بطريقةٍ تحترم فيها تاريخ هذا الحزب، وتحترم فيها نضاله بمعزلٍ إن أصاب هنا أو أخطأ هناك، أساساً لا أحد في هذا الحزب ينزِّه الحزب أو المنتمين إليه عن الأخطاء، بينما تتمترسون أنتم خلف لازمة بأن الحزب لم يعد قادراً على تقديم المزيد، وهل أنتم من يحدد ذلك أو قاعدة الحزب الشعبية؟
في الخلاصة: نتمنى أن تسيرَ كل الأحزاب العريقة في هذا البلد على خطا التغيير الذي يلامس متطلبات المرحلة، وبالسياق ذاته نتمنى كمستقلين على كل من يتعاطى مع أحداث من هذا النوع أن يضع الموضوعية في التعاطي مع التحليل على رأس اهتماماته وإلا فإن غياب الموضوعية سيحول أفكاره إلى أحد أمرين، إما نكتة سمجة أو كيدية سامة، وفي كلتا الحالتين لن يعيب تعاطٍ صبياني كهذا عراقةَ حزبٍ كحزب البعث العربي الاشتراكي.