قضايا وآراء

الاستعمار وشعار «معاداة السامية»

| تحسين حلبي

بعد كل التطورات التي فرضها صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في قطاع غزة والضفة الغربية طوال ثمانية أشهر في مجابهة أشرس أشكال الجرائم الوحشية الإسرائيلية، أصبح شعار التعاطف مع الشعب الفلسطيني والتنديد بهذه الجرائم ومن يدعمها هو جدول العمل السياسي والإنساني والشعبي لكل من يدافع عن قيم حقوق الإنسان في العالم أجمع، لذلك تحولت انتفاضة طلاب وأساتذة الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في دول الغرب الاستعمارية ضد إسرائيل وكل من يدعم عدوانها إلى أهم جبهة رأي عام شعبي وثقافي وسياسي قلّ نظيرها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي واتساع سيطرة وسطوة نظام الاستعمار العالمي على مختلف أنحاء العالم.

لقد كشفت هذه الجبهة العالمية زيف الشعارات التي عمل على فرضها النظام الاستعماري العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وبعد إنشاء الكيان الإسرائيلي، وأهمها شعار «معاداة السامية» الذي استخدمه هذا النظام العالمي مع الحركة الصهيونية لحماية جرائم الاستعمار الاستيطاني الأوروبي في فلسطين قلب العالم العربي، ولإعطاء الصهيونية حصانة لكل ما تقوم به إسرائيل من مذابح، وبوساطة هذا الشعار أصبح كل فلسطيني في الأرض «معادياً للسامية» إذا ما طالب باستعادة حقوقه في ممتلكاته ووطنه المغتصب، كما أصبح كل فرد في العالم يبدي تعاطفه مع ضحايا الاحتلال في فلسطين، وحقهم في الحياة والحماية من القتل على أيدي من يطلقون على أنفسهم «الساميين»، معادياً للسامية حتى لو كان من اليهود الأوروبيين التقدميين الذين يناهضون الصهيونية ويرفضون التنكر لحقوق الفلسطينيين.

حين يتبجح الرئيس الأميركي جو بايدين باتهام طلاب الجامعات وأساتذتها الأميركيين الذين يطالبون بإيقاف المذابح ضد الفلسطينيين بمعاداة السامية، فإنه يتهم بالطريقة نفسها أيضاً الأطفال والنساء الفلسطينيين الذين يقتلون في كل ساعة بأنهم معادون للسامية ومعادون للصهيونية التي تريد طردهم من وطنهم، وقد بلغ عدد الشهداء منهم أكثر من 35 ألفاً والجرحى بأكثر من 80 ألفاً، فبايدين يبرر لإسرائيل الدفاع عن نفسها في حربها الوحشية في قتل كل هؤلاء الأطفال والنساء والشيوخ والفتيان باسم «معاداة السامية».

هكذا تحولت هذه العبارة والتهمة إلى وسيلة يستخدمها أي مواطن يهودي في عواصم الغرب لابتزاز المواطنين الآخرين حين يتهم وهو في الشارع مواطنا آخر بأنه شتمه أو ركله لأنه يهودي، ويتمتع بحق محاكمته بمجرد أن يقسم على توراته إذا لم يحضر شهوداً، وهذا الحق لا يملكه غير اليهودي من المواطنين في عواصم الغرب بل يمكن استخدامه ضد حاخام يناهض الصهيونية، ففي 27 أيار من عام 2021 نشر موقع مجلة «إن بي سي نيوز» في زاوية الفكر أن بعض الرسائل التي تصل إلى بعض الحاخامات في أميركا تتهمهم بمعاداة السامية وبتقديمهم للمحاكمة، فالحاخام ليونيل بينغيلسدورف وصله تهديد بوساطة «تويتير» يتهمه فيها المرسل «بالتآمر ضد أميركا» لأنه انتقد الاحتلال الإسرائيلي في برنامج إذاعي أميركي، واتهمه المرسل بأنه «حاخام مزيف يدعم النازية لكي تستولي على الحكم في أميركا»، وهذا يعني بموجب ما قاله الحاخام أنه «يروج لمعاداة السامية لأنه يؤيد حقوق الفلسطينيين».

بهذه الطريقة تخشى إسرائيل من زيادة عدد اليهود الأميركيين المناهضين للصهيونية والاحتلال، لأن الولايات المتحدة يعيش فيها أكثر من سبعة ملايين مواطن أميركي من أفراد الجالية اليهودية، وتهتم جميع الإدارات الأميركية منذ عام 1948 بضرورة إطلاق كل أشكال الابتزاز التي تستخدمها الحركة الصهيونية وخاصة بواسطة شعار معاداة السامية لتوظيفه في حماية وتعزيز نفوذ الحركة وسياساتها المسخرة لحماية المصالح الأميركية، ليس في منطقة الشرق الأوسط وحدها فقط بل في كل العالم وأوروبا بشكل عام أيضاً، فشعار وقوانين معاقبة المعادين للسامية أصبح جواز مرور لكل عضو في الحركة الصهيونية وأجهزة المخابرات الإسرائيلية قابلاً للاستخدام كتبرير للابتزاز وقمع الحركات المناهضة لإسرائيل والإمبريالية في العالم، وهذا ما جسده الرئيس بايدين حين اتهم علنا الطلاب وأساتذة الجامعات الأميركيين ومن بينهم يهود، بمعاداة السامية لكي يحرض عليهم آلة القمع الأميركية البوليسية والعالمية في كل مكان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن