قضايا وآراء

مقصلة غزة وقمة العرب

| د. مازن جبور

القضية الفلسطينية لا بد ستكون الحاضر الأبرز على جدول اجتماعات القمة العربية الـ33، بما تمثله من تحد كبير للأنظمة السياسية العربية أمام قضية الشعوب العربية المركزية، فلسطين، في انتظار تبلور موقف عربي موحد يخرج من دائرة خطابات الإدانة والتنديد، إلى دائرة القرارات الملزمة المقرونة بالأفعال، تخرج بموقف موحد عن القمة الأهم للزعماء العرب، أم ستتباين المواقف من حدث غزة الذي يرخي بظلاله على المنطقة كلها منذ ما يزيد على سبعة أشهر.

وانطلقت أمس في العاصمة البحرينية المنامة وبمشاركة سورية الاجتماعات التحضيرية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الثالثة والثلاثون باجتماع كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وناقش عدداً من مشاريع القرارات التي سيتم رفعها إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي على المستوى الوزاري، فضلاً عن مناقشة أهمية التكامل الاقتصادي بيت الدول العربية، وضرورة رفع مستوى التعاون بينها، والسعي باتجاه تطوير نماذج اقتصادية مستدامة تسهم في رفع مستويات المرونة في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهها الدول العربي.

ما سبق على الصعيد الاقتصادي أما على الصعيد السياسي، فلا بد سيكون الملف الفلسطيني وحرب غزة أبرز الحاضرين، وهو ما سنشهده خلال الأيام القليلة القادمة، وكعادتهم سيقدم الزعماء العرب أو ممثلوهم في القمة كلمات وخطب إنشائية تبكي على الوضع الفلسطيني، وتكتظ بعبارات التنديد لإسرائيل، والدعم لفلسطين وشعبها، إلا أنها سرعان ما ستتلاشى أمام أي مقترح فعلي يدعم قضية العرب المركزية، فمثلاً هل سنجد إجماعاً عربياً ينتج عنه قرار جماعي ملزم بقطع العلاقات الدبلوماسية ووقف التطبيع مع إسرائيل إذا لم توقف عدوانها على قطاع غزة المحاصر فوراً؟!

حتماً لا، على الرغم من أن القضية الفلسطينية عادت اليوم إلى الواجهة بقوة مع اتضاح عدالتها وتحالف الرأي العام العالمي معها كما لم يتحالف العرب يوماً، إذ انكشفت الحقيقة الإجرامية للكيان المحتل، وتراجع الدعم العالمي له بالمستوى العام، حتى صناع الكيان الغربيون باتوا يستحون من إعلان الدعم الكامل له، نتيجة عدم قدرة السياسيين الغربيين على مواجهة الرأي العام لديهم، فباتوا يخفون الدعم ويظهرون المعارضة لأفعال إسرائيل في غزة.

هذا التبدل في جوهر الموقف العالمي من الكيان وفي شكل الموقف الغربي على الأقل، لن يقف هنا بل اتضح لدى الرأي العام العالمي عموماً والرأي العام الغربي خصوصاً، مدى التزييف في مواقف الغرب، القائمة على الكذب والنفاق والخداع، وهذه هي الجامعات الغربية خير شاهدة على مستوى القمع الذي تمارسه الأنظمة السياسية الغربية، تجاه أي منتقد لأفعال كيان الاحتلال الإجرامية بحق الفلسطينيين، وهذا لا بد سينعكس على الأنظمة السياسية الغربية في أي انتخابات قادمة، مثلما حدث مع النظام التركي الذي كان يهاجم إسرائيل بلسانه ويدعمها بيده، فجاءت نتائج انتخابات الإدارة المحلية التركية لتصفعه وتبين له أن الجماهير مدركة لحقيقة ما يقوم به.

كذلك لا بد سيكون الأمر بالنسبة للأنظمة السياسية العربية، فحدث غزة كشف المواقف المزيفة من المواقف الحقيقية المقرونة بالأفعال، وعلى اعتبار أننا نميز بين الموقف الرسمي العربي والموقف الشعبي العربي من القضايا العربية الأساسية وفي مقدمتها قضية فلسطين، فإن على الأنظمة السياسية العربية ألا تستبعد انتقال موجة المناصرة التي يقوم بها الرأي العام العالمي، وبشكل رئيس طلبة الجامعات أي الشباب، للقضية الفلسطينية إلى الدول العربية، ومن ثم ستتعرى هذه الأنظمة أكثر وأكثر أمام شعوبها.

الآن، تعد القمة العربية التي من المقرر أن تنعقد يوم الخميس القادم، فرصة ذهبية للأنظمة السياسية العربية، لاتخاذ موقف تاريخي تجاه فلسطين، بما يسهم في ترسيخ صورة إيجابية عنها في أذهان شعوبها، وبما يحميها من موجة الحراك الجماهيري الداعم لفلسطين، وخصوصاً أن محاولات الفصل بين القضية الفلسطينية وحدث غزة، من قبيل قلب اختزال الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بمعادلة أخرى وهي معادلة صراع حماس – إسرائيل، باتت مكشوفة ولم تعد تجدي نفعاً، إذ باتت غزة مقصلة ستقص رقاب المتخاذلين، ولعل إعلان موقف عربي موحد لقطع العلاقات الدبلوماسية ووقف عمليات التطبيع مع كيان الاحتلال، ما لم يوقف عدوانه على غزة فوراً، كفيل بالنجاة مؤقتاً من تلك المقصلة.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن