مفهوم العمل والعبادة
| إسماعيل مروة
في كل مجلس من المجالس نسمع من يتحدث عن العبادة، وكل واحد حسب غاياته ودوره، فإن تحدث رجل دين تحدث عن المسجد والكنيسة وعلاقة المؤمن بهما، فهو إن كان مواظباً كان مؤمناً، ولاشيء عنده يعدل الحضور إلى دور العبادة، حتى ليشعر السامع بأنه خارج عن حدود الشريعة، مطرود من رحمة الله لأنه لا يعرف معنى العبادة!
وإن كان المتحدث يعاني من مشكلة في المعاملات والتعامل، فإنه يسارع للقول بأن الإيمان المعاملة، وبأنه لن يفيد الإنسان أي نوع من العبادات والتقرب إلى الله إن كانت معاملته سيئة، فالتعامل هو الذي يعطي الصورة الحقيقية عن الإيمان، ولا يكون المؤمن مؤمناً بغير التعامل! وإن كان المتحدث من المنشغلين بالعمل والمداومة عليه نجده يتحدث عن أن العمل عبادة، ويتحدث ويفيض في ذلك، وبأنه لا قيمة للإيمان من دون عمل، وأن العمل هو الذي يظهر إيمان الإنسان، فهو الذي يكفيه، وهو الذي يساعده في أداء دوره الاجتماعي..
وتتعدد الآراء ويتم الخلط بين الممارسات الخاطئة والإيمان، وهذا ينفي الإيمان، وذاك يدّعيه، وثالث يسلبه من الآخرين، وجميعهم ليسوا على حق، لأن الإيمان في الجوارح، ولكن يمكن القياس من خلال الأفعال، وفي أثناء تنقيري في كتب التراث الجميلة والعميقة أقابل الكثير من الأقوال والحوادث التي لو وقفنا أمامها مرة، وعملنا بها لتغير شأننا، وصارت الأمور أكثر عمقاً وفهماً.. ومن أبلغ ما قرأه الكثيرون موقف الإسلام من الإيمان، والعمل «خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» فالإسلام لا يحضّ على التفرغ للعبادة على حساب الحياة والعمل، فما قيمة العابد وعبادته إن كان ينتظر أعطيات الناس، أعطوه أو منعوه!
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حثّ على العمل «وعليّ جمع الحطب» وعمر رضي الله عنه قرّع العابد الذي لا يعمل، وعلي رضي الله عنه «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً».. يردد العلماء والمشايخ مثل هذه الحوادث، ويتحدثون عن قيمة العمل، ولكنني لم أجد في مسيرتي الطويلة من يدفع الناس إلى العمل وخاصة إن تعارضت الأوقات والمصالح، ويتحدث العلماء في دروسهم وخطبهم عن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي، وكل الذين يعنيهم أنه أعلن إسلامه! وهبْ أنه لم يعلن إسلامه، هل ستتغير أخلاق النبي معه؟ فبدل أن نتحدث عن الأخلاق وثباتها والتعامل وأهميته، نركز على المآل الذي نحلم به، وهو أن يتحول هذا إلى دين صاحب التعامل الحسن! يتحدثون عن التعامل، ويحرمون التعامل المماثل حتى مع أبناء الشريعة الواحدة!.
يتحدثون عن التعامل والصدق، وهم يطعنون بعضهم من أجل مصالح دنيوية، يفعلون ذلك مع أبناء الشريعة نفسها، وأبناء الشرائع الأخرى يفعلون الفعل نفسه، وفي أحسن الأحوال يتعامل هؤلاء مع الآخرين تعاملاً حذراً، وتقف القصص الشخصية والموروثات عائقاً بين التعامل الذي أمرنا به النبي، وأمرنا به المسيح في أعلى حالاته «أحبوا كارهيكم»! وكأننا ما سمعنا يوماً بالتعامل والحب بين الناس!
عندما نتحدث عن الإيمان بأي شريعة كانت لم لا نتحدث عن التكاملية، فالإيمان عمل وتعامل وسلوك وحياة، أما ما يتحدث عنه رجال الدين، فهو خاص بين العبد والرب، طقوس وعبادات وممارسات في جوانب الشريعة؟ فإذا كان المرء غير قادر على الحج مادياً ونفسياً، فهل نطلب منه أن يبيع كل شيء ويفتح فمه للهواء حتى يكون مؤمناً؟ وهل نطلب من المؤمن أن يترك عمله وقت الصلاة ليحضر مع الجماعة ويفقد عمله ويصبح عاطلاً عن العمل؟
أشياء كثيرة يجب أن نقف عندها، وأولها، وفي الشرائع للحديث عن الحياة الفردية، والحياة المجتمعية، والحياة الكريمة التي لا تكون بغير العمل، والحياة الجميلة التي لا تكتمل بغير التعامل الحسن والجيد الذي يمتد من الأسرة إلى المجتمع بتمامه، فقد روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن أن أحسن الحسن الخلق الحسن.. وتحفظ كتبنا التراثية للمسيح عليه السلام أقوالاً منها:
مرّ المسيح عليه السلام برجل من بني إسرائيل يتعبد، فقال له: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: ومن يقوم بك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك، فهذا القول الواضح والصريح يفصح عن قيمة العمل، وبأن العامل هو أكثر عبادة من العابد الذي لا عمل له، فماذا يقول مجمل علماء الدين ورجال الدين الذين لا عمل لهم سوى ما يقومون به من واجب ديني اختاروه؟ ماذا يقولون أمام سيرة التاجر والنجار؟ ألم يسمعوا بالقرّاء الأطباء، والمهندسين والعاملين بأعمال حرّة؟ وماذا يقولون بالتعامل المثالي الذي كان مع اليهودي ومارية القبطية أم إبراهيم؟ ثمة فرق بين أركان الشريعة الخاصة بين العبد وربه، وتمظهر هذه الشريعة في المجتمع على صعيد فردي أو جماعي، مع الأشباه والمختلفين في الحياة والانتماء والشريعة؟ فهل نعمل لحياة تخصنا، وهي غاية في الأهمية؟