اقتصادالأخبار البارزة

بعثيون يؤيدون الإبقاء على الدعم وتحويله إلى نقدي … عضو لجنة مركزية لـ«الوطن»: من الضروري دعم القطاع الزراعي لأن مخرجاته مدخلات للقطاع الصناعي

| محمد راكان مصطفى

طرح الرئيس بشار الأسد، في كلمته خلال افتتاح الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث عدة أسئلة حول الأولويات الاقتصادية في المرحلة القادمة قائلاً: أين تكمن الأولوية في سعر الصرف أم في الإنتاج؟ فإذا كانت الأسعار ثابتة، ولا توجد فرص عمل كيف يعيش الفقير؟ كيف يطور نفسه؟ كيف ننقل هذه الشريحة من الفقر إلى الوسط، أسئلة مهمة جداً يجب أن نجيب عنها لكي تتمكن الحكومة والسلطة التنفيذية من وضع برامج تحقق هذه التوازنات.

«الوطن» نقلت هذا التساؤل إلى عضو اللجنة المركزي لحزب البعث الدكتور عابد فضلية، عن المطلوب من الحزب في الفترة القادمة خلال رسمه السياسة الاقتصادية لتتناسب مع المرحلة القادمة، فقال: رغم صمت أعضاء القيادة عما يجب فعله، فقد ألمح الأمين العام إلى الخطوط الأساسية التي على الحكومة الالتزام بها، ومعظمها يتعلق بمصالح المواطنين ومستوى معيشتهم.

وأضاف: تتم ترجمة الحزب أنه اشتراكي عندما نستقرئ ما قاله الأمين العام والمتعلق بالمصلحة العامة التي هي من الأولويات وليس المصالح الخاصة فقط.. وفي ضوء ذلك يمكننا القول إن الحفاظ على الدعم الاجتماعي هو مسألة مهمة ولكن ربما مع تغيير مطرح الدعم بحيث لا يكون سلعياً بل نقدي لكي لا يتقلص عندما يصل إلى مستحقيه..

وتابع قائلاً: من الضروري جداً دعم القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني لأن مخرجات هذا القطاع معظمها هي مدخلات قطاعنا الصناعي التحويلي ومخرجات كلا القطاعين هي التي تغذي السوق الاستهلاكي الداخلي والتصديري وهما أيضاً من أهم محركات القطاعات الأخرى التجاري والمصرفي.. الخ.

وأضاف: فالاهتمام أكثر بالقطاع الزراعي يعني تنمية الريف وتقليل موجات الهجرة إلى المدن وتوفير المزيد من الغذاء ومن المنتجات التصديرية، وكذلك الأمر بالنسبة لدعم القطاع الصناعي الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى تشغيل الأموال والمدخرات وإلى توفير المزيد من فرص العمل.. وكل ما ورد أعلاه يأتي في سياق فلسفة الحزب في دعم الشرائح الأضعف من اليد العاملة وبقية الكادحين.

تغير الإستراتيجيات

بدوره رئيس قسم الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عبد القادر عزوز قال: الرئيس الأسد سواء في كلمته التوجيهية أمام الحكومة في 14/8 2021 وحتى مع لقائه الأكاديميين الاقتصاديين البعثيين كان يؤكد دائماً أن دعم المواطن هو جزء من السياسة السورية، إنه لا يوجد أي نية على الإطلاق بتغييره، وإنما الفكرة أن يتم تنظيمه وتغيير الإستراتيجيات وتغيير الآليات المعمول بها.

وأضاف: هذا الأمر يعني أن الدعم من حيث المبدأ هو جزء أساسي لكن الآلية السابقة لم تعد ناجحة، والمطلوب ضرورة إصلاح سياسات الدعم في إطار التصدي للحصار الاقتصادي الذي نتعرض له.

وقال عزوز: أنا أؤيد الإبقاء طبعاً على سياسات الدعم ولكن يجب التمييز بين نوعين من البرامج سياسات الدعم الإنتاجي السلعي وبرامج الحماية للفئات المستحقة الفئات الأكثر حاجه، فبالنسبة سياسات دعم الإنتاج السلعي هي لابد أن تكون سياسات تستهدف زيادة الإنتاج وتحفيز جانب العرض والناتج الكلي، وبالنسبة لنظام الدعم للفئات الأكثر احتياجاً، لابد أن يكون هناك استهداف صحيح يعني إيصال الدعم لمستحقيه بكفاءة ومرونة وإعادة النظر في قاعدة البيانات التي كانت معمولاً بها والتي جرى بناء عليها تصنيف الفئات الاجتماعية بين مدعومة ومستبعدة.

وأكد عزوز ضرورة الانتقال إلى التحول الرقمي بسياسات الدعم بالعمل على تجديد قاعدة البيانات بالتشارك بين الجهات الحكومية المعنية وبين الاتحادات النوعية وغرف التجارة والصناعة.

ورأى عزور أنه عند الحديث عن موضوع إصلاح سياسة الدعم يجب الابتعاد عن سياسة الصدمة هذا جانب، والجانب الآخر أي شيء في هذا الاتجاه لابد أن يترافق مع تعزيز بناء شبكات الحماية الاجتماعية من خلال تعزيز دور المجتمع الأهلي للتخفيف من أعباء فاتورة الدعم الاجتماعي ونشر ثقافة المواطنة باعتبار أن الدعم يأتي في إطار تقاسم الأعباء الأساسية.

وعن المطلوب من البعث اقتصادياً في المرحلة القادمة قال عزوز: من الضروري أن يتم بناء نموذج وطني تنموي مستدام.

وأضاف: بشكل أساسي أن نوجد نموذجنا السوري من خلال العمل على تكريس اقتصاد التشبيك الذكي بين القطاعات الاقتصادية (عام- خاص- تشاركي- تعاوني) وبين مكوناته إنتاجي خدمي فكري.. إلى جانب العمل بالتوازي على إصلاح سياسات الدعم.

وأكد عزوز ضرورة التركيز على القطاع الزراعي لأنه عماد الاقتصاد الوطني، وأنه لا بد من دعم تصنيع وتسويق المنتجات الريفية والأسرية وهذا يعزز الاستقرار بالريف من دون الانزياح إلى المدن.

وشدد على ضرورة إيلاء الأهمية لإعادة تأهيل القطاع العام الاقتصادي، مع التأكيد على ريادة القطاع العام لمرحله إعادة البناء والإعمار مع ضرورة التشاركية، ولا أقصد بها الخصخصة وإنما أن يكون هناك تقاسم أعباء بين القطاعين العام والخاص لأن التشاركية اليوم خيار تنموي حتى ننهض بأعباء الاقتصاد الوطني في المرحلة قادمة.

وأكد ضرورة تقديم الدعم اللازم للمشروعات الصغيرة المتوسطة الحرفية لكونها جزءاً من خصائص اقتصادنا السوري لعقود طويلة، إضافة للعمل على استكمال تنفيذ مشروع الإصلاح الإداري، وإعادة النظر في جوانب الإخفاقات التي جرت، من أجل تحقق الغرض الذي طرحه الرئيس الأسد والوصول إلى تحسين مستوى الخدمة والرضا لدى المواطن وتقليل الهدر وترشيد الإنفاق وترشيق الإدارة وإزالة العوائق البيروقراطية، هذا إضافة إلى توسيع شبكات الرعاية والحماية الاجتماعية.

فشل كبير

بدوره قال أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق والرئيس الأسبق للمكتب المركزي للإحصاء الدكتور شفيق عربش: كلام الرئيس الأسد كان واضحاً بأن الحزب يضع رؤى وإستراتيجية وعلى السلطة التنفيذية سواء رئاسة مجلس الوزراء أو الإدارات العامة أن تقوم بدورها في التخطيط وتنفيذ هذه السياسات.

وأضاف: وفقاً لأحكام الدستور يجب على هيئة تخطيط الدولة أن تضع الخطة وعلى الوزارات تنفيذ هذه الخطة وعلى الهيئة تتبع تنفيذ الخطة لمعرفة ماذا تحقق منها وما العوائق التي حالت دون تنفيذ بعض برامجها؟

وقال عربش: كان الفشل كبيراً في إيصال الدعم إلى مستحقيه رغم التصريحات الصادرة عن المسؤولين الحكوميين حيث ينتهي الدعم في جيوب الفاسدين، مضيفاً: أصبح من الضروري التخلص من فانتازيا الأرقام الحكومية المصدرة يومياً، سواء التصريحات الصادرة عن مديرية المخابز عن رقم يصل إلى 17 ألف مليار سنوياً في دعم الخبز، والكهرباء التي تتحدث عن مبلغ مقارب، والنفط التي تتحدث عن مبلغ دعم بحدود 50 ألف مليار ليرة، واصفاً هذا الكلام بأنه بعيد كل البعد عن المنطق، وقال: إذا كانت الموازنة العامة للدولة لعام 2024 هي 35 ألف مليار فيكف يمكن أن يكون الدعم أكبر من الموازنة بمرة ونصف، ومن أين تأتي الموارد لتمويل هذا الدعم وتمويل البنود الأخرى في الموازنة؟

ورأى عربش أن الدعم موضوع بسيط وشائك، وقال: الرئيس الأسد كان واضحاً في لقاءاته المختلفة سواء مع الاقتصاديين في كليات الاقتصاد من البعثيين أو في الاجتماع الموسع بأن آليات تنفيذ سياسة الدعم قد زاد الفقراء فقراً وفتح الأبواب إلى فساد كبير.

وقال عربش: يجب أن نوضح ما فلسفة الدعم وما مبرراته، فعندما نقدم دعم لجميع السكان فهذا ليس دعم، وعندما ندعي أن الصحة والتعليم هما ضمن الدعم الحكومي فهذا خطأ، لأنه وفقاً لأحكام الدستور الصحة والتعليم هما من واجبات الدولة وليسا دعماً.

ورأى عربش أن موضوع الصحة حله نظرياً بسيط بأن يكون هناك تأمين صحي لجميع المواطنين وهذا يتطلب اقتطاعات معينة من دخول هؤلاء المواطنين.

وحمل عربش فقر المواطن للسياسات الحكومية بأنها ما أوصلتهم إلى هذه الحالة، وقال: هناك الكثير من الإجراءات الحكومية غير الصائبة زادت الفقراء فقراً وأدت إلى تأكل الطبقة الوسطى وتراجع مستوياتها المعيشية.

وأضاف: أنا لست مع الدعم وفق الشكل الحالي ونحن بحاجة إلى مسوحات إحصائية نستطيع بموجبها أن نحدد ما الفئة المستهدفة وما يجب على الحكومة من إجراءات لتحسين واقع هذه الفئات الهشة والمهمشة، وعوضاً عن مساعدات نقدية تتآكل قدرتها الشرائية بسرعة نتيجة للتضخم البرنامج فإن الأفضل هو مساعدة هذه الطبقة على إطلاق مشاريع تنموية صغيرة ومتناهية في الصغر، وأن تقدم لهم قروض معفاة من الفوائد لفترة طويلة بحيث تكون هذه الشرائح منتجة لا تحتاج إلى دعم وهكذا يتم إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران ولو ببطء من خلال هذه المشاريع، ويتم إعادة كذلك دوران جزء من عجلة الإنتاج.

واعتبر عربش أن القطاعات الإنتاجية في سورية في وضع يرثى له وقسم كبير منها يعيش على التنفس الاصطناعي في ظل الرفع المستمر لأسعار حوامل الطاقة، مضيفاً: مثلاً البنزين 90 ارتفع من شهر آب 2023 إلى شهر نيسان 2024 بنحو 600 بالمئة، الكهرباء تضاعفت أسعارها وخصوصاً الكهرباء الصناعية والتجارية والزراعية، وكذلك المنزلية، وكل هذا يؤثر على تكلفة الإنتاج ويؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار والتضخم، ونحن الآن ندور في حلقة مفرغة عنوانها الركود التضخمي رفعت معدلات التضخم لدينا حتى وصلنا إلى ثالث دولة على مستوى العالم في معدلات التضخم، وأصبحت بذلك كل الأسعار لدينا وخصوصاً حوامل الطاقة أغلى بكثير من الدول المجاورة.

وعن دعم عجلة الإنتاج قال: أتمنى إذا كان هناك دعم ضروري للإنتاج في الاقتصاد سواء الزراعي أو صناعي، أن يكون على مستوى المنتج النهائي بغاية التصدير.

ووصف عربش القطاع العام الاقتصادي بأنه شكل من أشكال الاحتكار، فعلى سبيل المثال السورية للتجارة ومؤسسة المخابز، مضيفاً: منذ أصبح رغيف الخبز في عهدة الحكومة بدأت المشكلة، وأصبحت الحكومة منذ أكثر من 50 عاماً تتصدى لإنتاج الخبز وطوابير الأفران تتزايد، أما القطاع الخاص حين ينتج الخبز فلم يكن هناك هذا الازدحام، مضيفاً: ناهيك عما أصبح يشوب صناعته من فساد بألوان وأشكال متنوعة.

وقال: أرى أنه على الحكومة أن تنهي رأسماليتها وأن تخلق بيئة مناسبة للمنافسة ومنع الاحتكار من خلال تشريعات رشيقة وواضحة وغير متضاربة، بحيث يكون تدخل السلطة التنفيذية عندما ترى ضرورة للتدخل.

وتابع قائلاً: أنهكت قرارات وتوصيات اللجنة الاقتصادية الشعب كافة وعرقلت الإنتاج، وفي هذا المجال لا بد أن نلحظ أن هناك تياراً قوياً يدفع باتجاه مزيد من المستوردات لأنه مستفيد منه وهذا الأمر يسهم إلى حد كبير في عرقلة القطاعات الوطنية.

استقلالية السلطة النقدية

وللنهوض بالواقع الاقتصادي رأى عربش أنه لابد من إعادة النظر بالسياسة النقدية. وإعادة النظر بالسياسة النقدية ليست بدراسة الإجراءات فقط، لأن السلطة النقدية التي يمثلها المصرف المركزي سلطة ليست مستقلة، وهي تحت مظلة رئاسة مجلس الوزراء.

وقال: العملة السورية الوحيدة في العالم التي يوقع عليها رئيس مجلس الوزراء، وهذا يعني أن مجلس النقد والتسليف هو رهينة للحكومة وليس صاحب القرار، مشدداً على ضرورة استقلالية مصرف سورية المركزي ومجلس النقد والتسليف استقلالية تامة.

وقال: مشكلتنا في سورية أنه لا توجد محاسبة، وهذا الأمر حول الاقتصاد والشعب إلى حقل للتجارب، إذ هناك بشكل متواتر بسرعة إجراءات جديدة في كل موضوع. وهذا دليل على أن الإجراءات التي سبقت كانت فاشلة.

وشدد على ضرورة إعادة النظر بهيكلية ودور الجهاز المركزي للرقابة المالية، وقال: لو عدنا إلى ديوان المحاسبات الذي كان موجوداً في سورية سابقاً. لكان الوضع أفضل. فإنجازات الجهاز باكتشاف جزء يسير من الهدر والفساد في الإنفاق العام بعد فترة طويلة من وقوعه عوضاً عن الرقابة المسبقة لمنع الهدر والفساد، على حين ديوان المحاسبات كان يملك سلطة تشبه السلطة القضائية أو محكمة النقض على مستوى السلطة القضائية. له اجتهاداته في الوظيفة العامة وله آراؤه، وشدد على ضرورة أن تكون الأجهزة الرقابية مستقلة عن السلطة التنفيذية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن