قضايا وآراء

احتجاجات طلاب الجامعات الأميركية

| د. قحطان السيوفي

بعد العملية الفدائية الفلسطينية في 7 تشرين الأول 2023، صدر بيان موقّع من ثلاثين تجمعاً طلابياً أميركياً، يحمّل إسرائيل المسؤولية عما حصل بسبب سياساتها القمعية والإبادة الجماعية.

غضبت الحكومة الإسرائيلية وأدركت أن مئات الملايين التي صُرفت لتدجين المؤسسات التعليمية الأميركية، قد تذهب سدى، إن لم تتحرك سريعاً.

تم تهديد الطلاب، المتظاهرين بنشر أسمائهم، لحرمانهم من الحصول على أي وظيفة بعد تخرجهم.

أدت الاحتجاجات على الحرب الإسرائيلية على غزة وردود الفعل من مديري الجامعات وأعضاء هيئات التدريس وطلبة وساسة، إلى حدوث اضطراب داخل الجامعات وانقسام الرأي العام الأميركي.

أفادت وسائل إعلام أميركية، في 18/3/ 2024، أن طلاباً في جامعة برينستون بولاية نيوجيرسي، من أكبر الجامعات الأميركية، بدؤوا إضراباً عن الطعام احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتلى ذلك مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في أكثر من 150 كلية وجامعة في الولايات المتحدة الأميركية وبلغ عدد المعتقلين في حرم الجامعات من الطلاب والأساتذة نحو 3000 شخص في أكثر من 80 حرماً جامعياً، وقامت الشرطة بتفريق الحشود واستخدمت عتاد مكافحة الشغب.

الاحتجاجات في جامعة كولومبيا نظمتها مجموعة «نزع الفصل العنصري بجامعة كولومبيا»، وقام هؤلاء الطلبة، ومنهم يهود ومسلمون وفلسطينيون، «بإعادة تنشيط» التحالف ومطالباته بسحب الاستثمارات بعد حرب إسرائيل الهمجية في قطاع غزة.

عقدت لجان في مجلس النواب الأميركي جلسات، لمواجهة النشاط الطلابي الناشئ عن الحرب في غزة وعلى أثرها استقالت رئيسة جامعة هارفارد، ورئيسة جامعة بنسلفانيا بعد تعرضهما لانتقادات بسبب شهادتهما أمام اللجنة.

على صعيد آخر، ترك انتهاء «الحرب الباردة» بانتصار الغرب والأميركي منه تحديداً على الشرق أي الاتحاد السوفييتي السابق، انعكاسات وآثاراً على المجتمع الأميركي فتراجع الواقع الاقتصادي المعيشي الأميركي في مرحلة ما بعد انتهاء «الحرب الباردة» وأدى لوقف عدد من البرامج التسليحية بسبب غياب العدو المحفز للإنفاق الحربي، ونجم عنه تداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية.

وفي ظل تلازم تداول السلطة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي مع رجحان كفة الراديكاليين في المعسكرين منذ ذلك الحين، وبعد 8 سنوات من حكم الديمقراطي الراديكالي بيل كلينتون، فاز الجمهوري جورج بوش «الابن» بالرئاسة، ثم استعاد الراديكاليون الديمقراطيون البيت الأبيض مع باراك أوباما، ولعل سياسات أوباما أسهمت في انتخاب دونالد ترامب الجمهوري الشعبوي اليميني الراديكالي، ثم فاز جو بايدن، نائب أوباما الذي يتوقع أن يواجه ترامب من جديد، وسط انقسام شعبي بين «يمين» جمهوري و«يسار» ديمقراطي راديكالي.

أمام هذا الواقع بدت الجامعات الأميركية أشبه بحقول جفّ زرعها، وغدت عرضة للحرائق، وبعد تداعيات «كوفيد 19»، ازداد التوتر مع روسيا والصين، وخاصة مع حرب أوكرانيا وموضوع تايوان، ثم جاءت «حرب غزة» والمجازر الجماعية، ما عزّز قناعة الشباب الأميركي، بأن «النخبتين» الحزبيتين الجمهورية والديمقراطية ليستا على مع يرام.

أزمة الثقة هذه دفعت بالشباب إلى الاعتراض في الحرم الجامعية، وانعكس سلباً في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعبر «اللوبيات» المصلحية المرتبطة بهما.

لقد بدأت مظاهرات جامعة كولومبيا بالاحتجاج على سياسة إسرائيل التي تمارس فعل الإبادة الجماعية في غزة، وهذا أكدته محكمة العدل الدولية بقبولها دعوى دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، ثم تم عقد جلسات في الكونغرس لتصوير مظاهرات الجامعات بوصفها معاداةً للسامية، والسؤال الذي انتشر داخلياً وعالمياً الآن: «مَن يحرك هذه المظاهرات»؟

الإجابة كانت دوماً أن حماس التي تحرك الأحداث، وكأن حماس تنافس أميركا في عقر دارها، ولكن هناك تناقض كبير بين عقول طلاب جامعات النخبة، وذلك الغباء المستحكم في أروقة الكونغرس وصالات الإعلام الأميركي.

المحللون يرون أن جزءاً من الغضب الأميركي هو أن النظام أخفق في تقديم خيارات للناس في الانتخابات الأميركية المقبلة، بعد أشهر قليلة، باعتبار أن النظام الأميركي قدم شخصيتين: الأولى شخصية دونالد ترامب الذي يمثل رمزاً يهدد الديمقراطية والسلطوية الجديدة، وشخصية جوزيف بايدن الذي أخفق في إدارة الشأن الداخلي وفشل في غزة وأوكرانيا، إضافة إلى تقدمهما في السن، وهذا جزء كبير من أسباب الإحباط الأميركي اليوم.

مشهد المجتمع الغربي يُظهر أن الفجوة بين القانون الدولي وبين سبل تعطيله اتسعت لدرجة يصعب استيعابها، وسفيرة أميركا السمراء في الأمم المتحدة التي تمثل بنات مارتن لوثر كنغ، ترفع يدها من أجل استمرار الإبادة في غزة، وهذه صور هزت مشاعر الشباب الجامعي الأميركي خصوصاً، وبعض المجتمع الأميركي.

إن نتنياهو، مجرم الحرب، وجد نفسه يتحدث بالإنجليزية لطلاب الجامعات الأميركية، وذلك لأن نار الجامعات أحرقت قدماه، وباتت تمارس إسرائيل ضغوطاً على المانحين اليهود وغيرهم لسحب استثماراتهم من الجامعات التي لا تنصاع لما يطلب منها، كما يتم التدخل لدى الحكومات الفيدرالية لمنع تمويل هذه الجامعات التي تتهم بـ«معاداة السامية»، ويتم تهديد رؤساء الجامعات، وتتواصل إسرائيل مع وزارة العدل الأميركية، لمعاقبة المحتجين، ورفع دعاوى ضدهم، وجرّهم أمام المحاكم. وكذلك رفع دعاوى قضائية ضد الجامعات.

خطة جهنمية، لمواجهة طلاب وأكاديميين أبرياء كل ما يريدونه هو السلام، ووقف القتل، وهؤلاء هم الذين تظاهروا ضد الفساد والتغير المناخي والتلوث، والتمييز العنصري ومقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض، حينها أتيحت لهم فرصة الاعتراض السلمي، غير أن معارضتهم لقتل الفلسطينيين ووجهت بالقمع.

المشهد يذكّر بأكثر الدول التوتاليتارية؛ ضرب وسحل وتوثيق يدين، وسجن ومحاكمات، وطرد. أنواع من العقاب، تليق بعصابات وقطاع طرق لا طلاب وأساتذة.

وحين يصف نتنياهو ما يحدث في الجامعات الأميركية بأن «عصابات استولت على كبريات الجامعات»، طالباً من المسؤولين «فعل المزيد والمزيد»، لم يشكّل تدخله ذلك استفزازاً لدولة عظمى، ولا لمسؤوليها.

بايدن سيواجه الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2024، وقال في نيسان 2024 رداً على سؤال صحفي: «أدين مظاهر معاداة السامية، وأولئك الذين لا يفهمون ما يحدث للفلسطينيين»، وبعدها التزم بايدن الصمت وسط صدامات بين الطلاب والشرطة التي أوقفت المئات في الجامعات الأميركية.

ترامب البالغ 77 عاماً دعا رؤساء الجامعات إلى «استرداد الحرم الجامعي» ووصف المتظاهرين في جامعة كولومبيا في نيويورك بأنهم «مجانين مسعورون ومتعاطفون مع حماس».

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرجينيا أليكس كينا، أن «الاحتجاجات وضعت بايدن في موقف حساس لأنه اعتمد كثيراً للفوز في عام 2020 على الشباب، وعلى المسلمين والأميركيين من أصل عربي.

تضع الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة حملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن في «موقف صعب» في حين يحاول التوازن بين مساندة إسرائيل من ناحية، وإنهاء الحرب في قطاع غزة من ناحية أخرى.

بات واضحاً أن بايدن لا يستطيع الفوز بإعادة انتخابه ما دامت الحرب مستمرة أو بالأحرى الإبادة الجماعية مستمرة، ويحاول الآن أولاً الترويج لحل الدولتين، وموقفه يتركز على دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحقها في الوجود، ولكن ليس حقها في قتل النساء والأطفال، وإذا لم يقم بايدن بما يكفي لإرضاء الجالية العربية والمسلمة، سيخسر ولايات مثل ويسكونسن وميشيغان، أما إذا لم يدعم إسرائيل، فسيخسر ولايات مهمة مثل فلوريدا، وهي ولاية حاسمة.

إن الإدارة الأميركية تزعم أنها راعية الحريات، تقوم بفض الاعتصامات بالقوة في الجامعات الأميركية؛ وتستخدم العصي والهراوات وحتى الرصاص لكبت الحريات، الأمر الذي يُعتبر انتكاسة لحرية التعبير والديمقراطية، التي لطالما تغنَّت بها الإدارة الأميركية.

إن القوات الأميركية تشارك لوجيستياً بطائرات مسيَّرة وسفن تجسس واتصالات وتشويش، وبالتالي أميركا في نظر طلاب الجامعات الأميركية شريك في الحرب على غزة.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن