اجتياح رفح واللعبة الأميركية
| هديل محي الدين علي
كل ما يقال حول إعادة مقاربة واشنطن لسياساتها وتحالفاتها في الشرق الأوسط منفي بحكم الفعل والممارسات السياسية التي تقوم بها، أقلها استخدام حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قانون الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن في 18 من نيسان الماضي.
وكل التصريحات التي يدلي بها الساسة الأميركيون هي مجرد ادعاءات، ولا تخرج عن حدود الدبلوماسية التي تستخدمها الإدارة الأميركية جاهدة للمحافظة على صورة الولايات المتحدة من الانحدار أكثر، وخاصة أن الكيان الصهيوني المرتبط علنا بواشنطن يعيش أسوأ أزماته السياسية بالنسبة لصورته وانعزاله عالمياً، بعد تعنته واستمراره بحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
هي لعبة أميركية يفضحها التناقض الوقح بالتعاطي مع العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، حيث لا تنطلي الضغوط التي يتحدث عنها رئيس البيت الأبيض جو بايدن على أحد، فإسرائيل لا تستطيع إطلاق رصاصة واحدة دون دعم أميركي بالذخائر وشتى أنواع الأسلحة التقليدية وأيضاً المحرمة دولياً.
أما ساسة واشنطن، الذين يظهرون كأنهم في طابور على الإعلام لبث التحذيرات حول عدم جدوى اقتحام رفح، فإنها لا تعدو كونها عملاً سياسياً يهدف إلى محاولة التنصل من النتائج، بينما تتيقن كل دول العالم أن باستطاعة بايدن فرملة نتنياهو عن اجتياح رفح بل وحتى إيقاف الحرب على غزة.
الكذبة الأميركية الجديدة هي أكثر نكتة سياسية مثيرة للضحك والاشمئزاز في الوقت نفسه، والتي تقول: إن واشنطن عرضت على إسرائيل تقديم معلومات استخباراتية حساسة لمساعدتها على تحديد موقع قادة حماس والعثور على الأنفاق، مقابل التراجع عن عملية اجتياح واسع لرفح، وهذا التصريح لمسؤولين أميركيين يثير السخرية ويفضح كذبهم ويناقض كل ما تفعله واشنطن فلو استطاعوا تحديد مواقع قادة حماس لما بخلوا على الكيان بها أولاً وكان أحرى بهم أن يقدموها لربيبتهم الصهيونية قبل سفكها لكل تلك الدماء الفلسطينية البريئة وقبل ارتكابها لكل تلك المجازر بحق الأطفال والمدنيين الفلسطينيين التي تدعي اليوم خوفها وقلقها عليهم.
صحيفة «واشنطن بوست» التي نشرت عرض المسؤولين الأميركيين، أضافت: إن العرض يتضمن المساعدة في توفير الآلاف من الملاجئ، حتى تتمكن إسرائيل من بناء مدن الخيام والمساعدة في بناء أنظمة توصيل الغذاء والماء والدواء، مضيفة إن هذه المساعدات تهدف إلى تمكين الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم من رفح من الحصول على مكان صالح للعيش، وخاصة أنه لا يمكن نقل الفلسطينيين ببساطة إلى أجزاء قاحلة أو تتعرض للقصف في غزة.
في خلاصة الأمر لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تخرج عن خط دعم الكيان الصهيوني علناً أو سراً، مهما كثرت التصريحات الإعلامية حول ضغوط أو تهديدات نتنياهو، وتسخّر لأجل هذا الهدف كل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية.