دفاتر الحياة العتيقة!
| عصام داري
أكتب منذ سنوات في هذه الزاوية التي اسمها: (من دفتر الوطن)، أدون فيها خواطر وأحداثاً من حياتي الشخصية، وأسجل فيها كذلك يوميات مجتمعي وما أرى أنه معاناة ومشاكل أبناء بلدي الطيبين.
ففي دفتر الوطن أنقل يومياتي في دفتر الحياة، محاولاً إثبات وجودي ككائن على هذه الأرض يستحق فرصة للتعبير عن نفسه وعن مجتمعه.
كنت أرى دائماً -ومازلت- أن الحياة قاعة امتحان متواصلة من أول صرخة يطلقها طفل غادر سجن رحم أمه، إلى سجن الدنيا الواسع، إلى الشهقة الأخيرة التي تعلن نهاية الرحلة المحتومة، ومن ينجح فهو ذاك الشخص الذي استطاع أن يجمع حلاوة عشق يصنعه بنفسه إن لم تخلقه الظروف، مع فرح ينتزعه من براثن ألم يعتصر الروح والنفس.
في مسيرة حياتنا هجرنا المقاهي العتيقة، تركناها تحت ضغط الحياة بصخبها وصمتها بغضبها ورضاها، وعندما عدنا رأينا العشاق الصغار وقد جلسوا على مقاعد عرفت هوانا الأول، وعشقنا الأول، وحبنا الأول، كما تغني فيروز «في قهوة ع المفرق».
هكذا هي سنة الحياة، أجيال تسلم الراية لأجيال، مع ابتسامة ود وتسليم بقواعد لعبة أزلية لا مجال لتعديلها، فالحياة تتجدد، والأجيال تأتي بعد أجيال، كل جيل فخور بنفسه وزمنه ومتمسك بأفكاره وإن بدت غريبة وغير منطقية.
نمر في كل هذه الحياة بتحديات مصيرية، ومن يستسلم يخسر الرهانات، ويكتب عليه أن يظل في الصفوف الخلفية والمقاعد الخلفية، وفي عربة قطار الزمن الأخيرة، ومن يقبل التحدي فسيمضي قدماً في المقدمة، لكن الأهم أن علينا أن ننتصر للخير والحق والعدل، وأن نهزم معاً تجار الحروب والدمار والخراب وسارقي لقمة الفقراء، ونصنع الحب والفرح المسروق من حياتنا،
مع كل صباح يوم جديد جميل يقدم لنا جرعة أمل بأن الحياة حلوة، وعلينا عدم الاستسلام ورفع الراية البيضاء.
العزف على وتر الحب يعطي للحياة معانيها الجميلة الساحرة، وينقلنا الحب إلى عوالم خلابة وكواكب متعددة الألوان والأطياف، يرسم الحب لوحة لا يراها إلا من ملأ الحب نفسه وروحه وكيانه.
نستعيد قصص حب عتيقة، حفرت في ذاكرتنا نقوشاً وزركشات وترصيعات خالدة جعلت أوقاتنا حلوة، وربما نستعيض عن تلك الذكريات بحب جديد أو متجدد، لنشعر بالفرح، والدفء أيضاً، فالحب أحياناً، يذيب الثلوج والجليد الذي تراكم على القلوب والأرواح على مدى أعوام لم نعد نعدها.
عدو حياتنا الأول هو الوقت الذي يغتالنا كل ثانية، يسرق من حياتنا تلك الثانية ذاتها لتضاف إلى الثواني والدقائق والسنوات المسروقة من حياتنا المهدورة أصلاً على بوابة الزمن، ومذبح الأيام.
لماذا نصر على إهدار الثواني والسنوات من أعمارنا، هكذا بكل بساطة وبله؟ لنحاول أن نستغل ذلك الوقت بما ينفعنا ولا يؤذي غيرنا.
علينا التكيف مع كل الظروف وتقبلها حتى وإن كانت قاسية، وأن نتعامل مع كل شيء غريب في حياتنا بحكمة وعقل ومن دون تهور.
افتحوا دفاتر حياتكم، وسجلوا فيها ما ترون أنه جدير بالتدوين والحفظ، وستجدون متعة كبيرة عندما تعودون بعد مدة لقراءة ما سجلتموه في هذه الدفاتر، كما أجد متعة وأنا أعود إلى دفاتري العتيقة.