قضايا وآراء

نتنياهو.. من «النصر الكامل» إلى «صورة نصر»

| منذر عيد

في غمرة ما تؤكده الأخبار بأن الاحتلال الإسرائيلي حشد ما يكفي من قوات على أطراف مدينة رفح، تمهيداً لشن توغل واسع النطاق في الأيام المقبلة، تطفو أسئلة كثيرة على سطح المشهد السياسي العام حول موقف الولايات المتحدة الأميركية حيال أي عدوان بري في رفح، وهي التي حذرت من أن القيام بذلك يعد تجاوزاً للخطوط الحمر في بقعة جغرافية تعد الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، كما تتخندق أسئلة أخرى في وجه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو حول إمكانية حصاده ما يسعى إليه من تحقيق «النصر الكامل» وهو المهزوم شمال القطاع وفي وسطه، ليكون السؤال الأبرز ثم ماذا؟ ماذا لو كانت النتيجة في رفح، وهو المتوقع، كما الحال في خان يونس وغزة وجباليا والشجاعية وباقي مناطق القطاع، حيث بقيت المقاومة بعد سبعة أشهر من العدوان محافظةً على قوتها، ولم يتمكن قادة الكيان من تحرير أي من جنودهم الأسرى، ألم يقولوا بالأمس القريب إن مقر زعيم حركة «حماس» في غزة يحيى السنوار تحت مستشفى الشّفاء في غزة؟ ثم قال إنه في غزة، ثمّ قال إنه في خان يونس مسقط رأسه، ليؤكد مؤخراً أنه في أحد أنفاق مدينة رفح للتبرير، فأي كلمات سيقولها نتنياهو إن دخل رفح ولم يعثر على السنوار؟

من المؤكد أن نتنياهو بات يعيش حالة من العمى والصمم السياسي والعسكري، وبات يغوص في أوهام صيد «نصر» طار من بين يديه منذ الأيام الأولى لعملية «طوفان الأقصى»، قاضياً جل وقته في عملية البحث عن الظفر «بصورة نصر» تمكنه من تحويلها إلى مطية لمرحلة «اليوم التالي» إلى ما بعد انتهاء العدوان في مواجهة أعداء الداخل، حيث يعي جيداً أنه لن يكون ضمن صورة «اليوم التالي» للمشهد السياسي الداخلي في الكيان، الأمر الذي دفع به إلى تحويل المسألة إلى مسألة شخصية، ولكن تحت غطاء «مصلحة إسرائيل الكبرى» ليقول أول من أمس في ذكرى الجنود القتلى في الجيش الإسرائيلي: «نحن مصرون على الانتصار في هذا الصراع، كبدنا وسنكبد العدو ثمناً باهظاً على أعماله الفظيعة، سوف نحقق أهداف النصر وفي مركزها إعادة كل مختطفينا، انتصار سيضمن وجودنا ومستقبلنا، لكن الثمن الذي ندفعه والذي دفعته الأجيال السابقة، هذا الثمن باهظ جداً».

تعنت نتنياهو في إصراره على المضي قدماً بعدوان بري في رفح، يضع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على محك الاستمرار في ولاية رئاسية جديدة، وهو حقيقة يدركها بايدن وأركان إدارته، ويعون جيداً أن رصاص بنادق جنود الاحتلال الإسرائيلي في رفح ستتجاوز جغرافيا القطاع لتطول الجغرافيا السياسية للعديد من داعمي الكيان وفي مقدمتهم مستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن، لتشكك تلك الإدارة بإمكانية نتنياهو تحقيق أهدافه، وهو ما كشفه نائب وزير الخارجية الأميركي كيرت كامبل بقوله: «في بعض النواحي نجد صعوبة في تحديد ماهية نظرية النصر، وفي بعض الأحيان عندما نستمع عن كثب إلى القادة الإسرائيليين، فإنهم يتحدثون في الغالب عن فكرة نصر كاسح في ساحة المعركة، نصر كامل»، مستدركاً: «لا أعتقد أننا نرى أن هذا محتمل أو ممكن».

تخوف الإدارة الأميركية من سياسة نتنياهو في رفح تعكسه التصريحات السياسية، لكن ما حقيقة موقفها الفعلي الذي يعكسه الميدان؟ وإلى أي مدى تتمكن قرارات بايدن بتجميد صفقة من القنابل العملاقة للاحتلال الإسرائيلي، من ردعه في اجتياح رفح، فالكثير من المتابعين والمحللين أكدوا في ردهم على أسئلة كثيرة مشابهة، حول إمكانية تخلي واشنطن عن الكيان، أن دعم الولايات المتحدة للاحتلال أمر إستراتيجي لا نقاش فيه، وإنما هو خلاف في التكتيك، وفي طبيعة وأسلوب قتل الفلسطينيين، لا في منع حدوث ذلك، فمعظمنا يتذكر ما طلبه بايدن في 11 شباط الماضي من نتنياهو في مكالمة هاتفية وهو «عدم شن هجوم على المدينة من دون خطة موثوقة لحماية المدنيين»، ليتضح من خلال تلك المكالمة أن الخلاف ليس على شن عدوان، وإنما على الخطة «الموثوقة»، لينسف ذلك كل الأحاديث والمراهنات عن إمكانية تخلي واشنطن عن نتنياهو، أو الفتى المدلل «بيبي» عند بايدن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن