ثقافة وفن

أمسية زجلية بمشاركة 25 شاعراً سورياً وعربياً … شفيق ديب لـ«الوطن»: الهدف كان التعبير عن الانتماء إلى هذا الوسط الزجلي الذي أكن له الولاء والمحبة

| مايا سلامي – تصوير طارق السعدوني

لحظات من الحب والشغف والإثارة عاشها رواد ومحبو شعر الزجل في أمسية خاصة احتضنتهم في فندق الشرق بدمشق، حيث يحرص الشاعر السوري شفيق ديب على خلق روح جديدة بمبارياته الزجلية التي يستضيفها، وهذه المرة كانت بمشاركة 25 شاعراً سورياً وعربياً جاؤوا من كل حدب وصوب ليؤكدوا ارتباطهم الوثيق بهذا الفن العريق، وليجددوا بإبداعاتهم دماء القصيدة التي حمّلوها بعبق التراث من دون أن يغفلوا محاكاة العصر والواقع فجادوا بالغزل وحب دمشق كما لم يغب جرح فلسطين وغزة عن كلماتهم.

وعلى مدار ثلاث ساعات امتد هذا اللقاء الأشبه بالعرس الزجلي، ولم يخفت حماس الحاضرين الذين بقيت مشاعرهم متقدة حتى الدقائق الأخيرة، يفيضون على الأمسية جمالاً بارتجالاتهم الحاضرة وتفاعلهم المميز مع بعضهم الذي حمل روح التحدي والعنفوان.

مجتمع مستقل

وفي البداية تحدث الشاعر شفيق ديب لـ«الوطن» عن الهدف من إقامة احتفالية زجلية بمشاركة 25 شاعراً سورياً وعربياً، قائلاً: «الهدف كان التعبير عن الانتماء إلى هذا الوسط الزجلي الذي أكن له الولاء والمحبة، وفكرة إقامة أمسية شخصية مؤلفة من كلمتين فقط أو ثلاث برأيي هو نوع من الأنانية، لذلك منذ مدة ونحن نحاول أن نراكم الجهود لكي يظهر الشعر الزجلي بمظهر لائق في مجتمعه وناسه لأن الشعر إذا خرج عن ناسه فقد هويته».

وأضاف: «الشعر الشعبي الموزون والمدروس من لسانياتنا وروحنا والشخص عندما يتصالح مع لهجته يتصالح مع هويته، وعندها ستكون اللغة العربية الفصحى التي نفتخر بها بأمان، فاليوم نحن نعتقد أننا قدمنا كل الجهود الممكنة وجميع الشعراء الموجودين نفتخر بهم وكل منهم مكلف بتحبيب محيطه بشعر الزجل».

وعن أكثر ما أثر فيه خلال هذه الأمسية، أجاب: «ما أسعدني جداً هو أننا استمررنا لمدة ثلاث ساعات تقريباً تكلم خلالها 25 شاعراً دون أن يشعر أحد بالملل على ما أعتقد، وما علمته أن الجميع بقي مستمتعاً حتى النهاية، وكما قلت على المنبر منذ قليل: من انتظر دوره المتأخّر فهو أكثرنا كرماً».

وأوضح ديب أن الشعر الزجلي مجتمع ووسط مستقل بذاته وعندما يتابعه الناس سيجدون فيه أحداثاً ودراما وحماساً وغزلاً وتحالفات وخصومات لطيفة وألواناً مختلفة وسوف يستمتعون بعالم الزجل بشرط أن يكون بأصوله الشرعية المستقاة من شعراء الزجل الشرعيّين الأوائل، مؤكداً أنه لا يقصد مهاجمه أحد وإنما يتمنى أنه ينتبه الناس إلى عالم الزجل المتكامل والموجود بشعرائه الحاضرين بأسمائهم وحفلاتهم وجمهورهم.

وفيما يتعلق بالموضوعات التي يعززها في قصائده الزجلية، بيّن: «دخلت عالم الزجل منذ عشرين عاماً وبدأت بانجراف نحو التحدي والحماس، ولم يكن عمري قد تجاوز 22 عاماً عندما أقمنا مباريات مع عمالقة الزجل مثل زغلول الدامور وعادل خدج وفيكتور ميرزا وأبو علي بلوداني آنذاك، وفي المرحلة التالية في عام 2011 تفرغت لمدة خمس سنوات لتأبين الشهداء، وفي فترات لاحقة توجهت إلى الغزل وإلى تمتين القالب الزجلي وإضفاء بعض المنطق الفلسفي البسيط عليه، ولكننا مؤخراً اشتقنا للتحدي والمنبر وعدنا إليه وتُوّجَت هذه المرحلة بعدة حفلات مع عملاق الزجل اللبناني طليع حمدان».

ملتقيات ناضجة

وأوضح الشاعر محمد الموعي أن الملتقيات التي تقام بإشراف الأستاذ شفيق ديب تكون ناضجة وخلفها عمل دؤوب ونظرة جادة للشعر ودوره وبشكل خاص الزجل والشعر المحكي، لافتاً إلى أن شفيق ديب يمتاز بمسؤولية عالية ونظرة ثاقبة ويعتمد على النوعية وليس الكمية وهذا شيء لافت ومختلف عن السائد في الوسط الثقافي السوري.

وأكد أن مثل هذه الملتقيات تترك بصمة وصدى ثقافياً عند الشاعر والمتلقي، وهي حالة استثنائية استطاعت استقطاب الكثير من الأسماء السورية كما خرجت إلى حدود البلدان المجاورة كلبنان الشقيق الذي جاء منه أقلام مهمة ومثمرة تعد بمواسم حصاد وخير.

وبين أنه لا يمكن الحديث عن أي فن بسورية من دون ذكر الحرب التي كان خلالها الزجل فعل مقاومة وسلاحاً رديفاً للجيش العربي السوري، حيث استطاع في الكثير من الساحات رفع الحالة المعنوية للناس وإعطاءهم الأمل وجرعات مقاومة عالية.

قمة ثقافية

وقال الشاعر الفلسطيني عمر زيداني: «شفيق ديب أخ وصديق ونعتبره مرجعاً للزجل في سورية، واليوم نشاهد قمة عربية ثقافية يشارك فيها شعراء من مختلف الدول، ونحن كفلسطينيين كما تقاسمنا الحياة مع أشقائنا نتقاسم أيضاً الجرح والموت والقصيدة، وفلسطين هي محور الوجع والألم ولغة الناس الحزينة وليس أمامنا سوى الصمود بكل الوسائل المشروعة ومنها الكلمة».

وأشار إلى أن الزجل هو الجسر الثقافي للعبور من القلب إلى القلب وبه يصل الكلام بأسلوب عفوي، فالزهرة لا تكلف الكثير حتى تنقل العطر ولا العصفور حتى يغرد، ونحن كذلك ننقل الكلمة الحلوة بطريقة قريبة من قلوب الناس.

رسالة وقضية

كما بين الشاعر اللبناني عمران شحادة أنه لم يغادر سورية أبداً وحتى في أوقات الحرب كان يزورها بشكل متواصل، معتبراً مشاركته في مثل هذه الأمسيات بدمشق رسالة وقضية يجب عليه أداؤها ورد الجميل لسورية التي لطالما كانت حاضنة للجميع.

وقال: «هذا الجمع الكبير لم أره من قبل وأتمنى لو كان هناك حضور شاب أكبر لأن هذا الحضور النخبوي سيشجعهم ويعرفهم على قيمة شعر الزجل، وأتمنى أن تتكرر مثل هذه اللقاءات باستمرار وتحديداً بالشام ليس من باب المجاملة بل لأنها ما زالت محافظة على العراقة وعلى أصالة اللغة العربية».

وكشف أنه عادة ما يتوجه في موضوعاته إلى هموم ومشاكل الناس وأن يتكلم بلغتهم بعيداً عن الأمور الخيالية، وهذا أمر مهم لجذب الشباب الذين نتوجه إليهم اليوم فعندما يلامسهم ما يسمعونه سيحبونه بالتأكيد، والقرب من الناس هو معيار النجاح.

مبادرة جميلة

وقال الشاعر بسام ورور: «نحن كشعراء واجبنا أن نشجع العالم لحضور هذا الفن، ونحن ما زلنا محافظين على رسالتنا على الرغم من الظروف الصعبة والاستثنائية التي نمر بها اليوم، وأشكر الأستاذ شفيق على هذه المبادرة الجميلة جداً التي جمع فيها أسماء كبيرة لشعراء عرب وسوريين.

وأضاف: «الإقبال على أمسيات الزجل رائع جداً وهذه إشارات إيجابية للشعر والشعراء، وأكثر ما يثيرني اليوم للحديث عنه في قصائدي هو الوضع المعيشي والغلاء والتجار والفقر وكل هذه الأولويات لأن الشعر رسالة بالنهاية ويجب أن يعكس حال لسان الناس».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن