قضايا وآراء

معضلة الكيان أمام خيارات تفرض الهزيمة

| تحسين حلبي

وصف معظم المؤرخين في العالم الحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945) بأنهما وقعتا بين عدد من الدول الاستعمارية بهدف التنافس على السيطرة وتوسيع النفوذ الاستعماري بين معظم القوى المتحاربة الرئيسة في العالم، وهذا ما أثبتته نتائج الحربين، فألمانيا النازية واليابان الديكتاتورية الاستعمارية وهما أهم قوتين متحالفتين في الحرب العالمية الثانية، كانتا تقاتلان دول التحالف الغربي الاستعمارية بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، بهدف انتزاع المستعمرات التابعة لهذه الدول ومنافستها على الهيمنة العالمية، ولذلك كانت الحرب العالمية الثانية من أشرس الحروب التي جرت بين هذه الدول طوال ست سنوات واستخدم فيها المتحاربون كل ما أنتجه العقل البشري الوحشي في ذلك الوقت، من وسائل تدمير لا قيود لها ولا رحمة بما في ذلك الأسلحة الكيميائية إلى أن استخدمت الولايات المتحدة في نهايتها في شهر آب 1945 السلاح النووي ضد اليابان.

ومن الملفات الحديثة التي نشرتها وسائل الإعلام الأميركية عن «مكتب التحقيقات الفيدرالي- إف بي آي» في 17 أيار الجاري ونقلتها مجلة «أنتي وور» الأميركية، يوضح المختص بجرائم الحرب جيفري كاي أن «تقريرين سمح مكتب «إف بي آي» حديثاً بنشرهما يشيران إلى استخدام اليابان سلاحاً بيولوجياً يولد «وباء الطاعون الدبلي» ووباء الجمرة الخبيثة المعروفة باسم «أنثراكس» وأن اليابان استخدمت بالونات طائرة تحمل هذه البيولوجيات في عملية سرية باسم «فو- غو» لإسقاطها فوق أراضي الولايات المتحدة وكندا في نهاية عام 1944، في الأشهر الأربعة الأولى من عام 1945، وذكر أحد التقارير أن مواد الجمرة الخبيثة جرى اكتشاف وجودها بعد شهرين من انتهاء الحرب في بالونات يابانية سقطت في منطقة ميد ويست- الأميركية».

ويضيف التقرير: إن اليابان أطلقت أثناء الحرب العالمية الثانية ما يزيد على 9000 بالون طائر على أعلى الارتفاعات فوق الولايات المتحدة وكندا، 300 منها كانت تحمل قنابل حارقة وإنها لمست الأرض في شمال أميركا، وتضيف المجلة: إن شهادة اليابانيين تفيد بأن جميع السجلات السرية للبالونات تم التخلص منها داخل اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية وكل معلومات الحرب البيولوجية اليابانية التي كانت موجودة عند وحدة السلاح البيولوجي 731.

ويبدو أن السلطات الأميركية أرادت أن تكشف عن مثل هذه المعلومات في هذه الظروف لتبرير قصفها لليابان بقنبلتين نوويتين وفرض الاستسلام عليها، علماً أن الإدارات الأميركية لم تقدم حتى الآن اعتذاراً رسمياً على هذه الجريمة ضد الإنسانية، ويتضح من ذلك أن واشنطن لم تستخدم السلاح النووي للردع، وكان من الممكن توظيفه للردع وليس للتدمير الشامل لو أنها هددت ولو بشكل غامض بامتلاكها لسلاح تدمير بهذه القوة وقدرتها على توظيفه في الحرب، لأن أحداً في العالم لم يكن يعلم بوجود قنبلتين نوويتين عند الجيش الأميركي، وامتلاك دول أخرى للسلاح النووي بشكل علني بعد خمسينيات القرن الماضي هو الذي فرض قاعدة توظيفه كسلاح للردع المتبادل وليس للاستخدام لأنه لم يستخدم منذ عام 1945.

وفي منطقتنا، اهتمت جميع الأوساط الدولية والإقليمية بموضوع امتلاك الكيان الإسرائيلي للسلاح النووي منذ الستينيات وتوظيفه لردع وإرهاب العرب لمنعهم من استعادة حقوقهم المغتصبة في فلسطين والجولان بواسطة التهديد باستخدامه كآخر ورقة تمنع هزيمة الكيان، لكن المفكر السياسي الأميركي الشهير جون ميرشايمير أكد أول من أمس في «مركز أبحاث الدراسات المستقلة- سي أي إس» حول موضوع امتلاك بعض الدول السلاح النووي والتهديد به، بأن أزمة إسرائيل يغلب عليها الآن شكل التهديد المتعاظم من الداخل، والقنبلة النووية لا تحل سوى ردع التهديد الخارجي من الدول المجاورة، ويضيف: إن وجود سبعة ملايين ونصف المليون فلسطيني تحت الاحتلال داخل فلسطين كلها مقابل سبعة ملايين إسرائيلي يحكمونهم بالقوة لا يجعل مشكلة إسرائيل قابلة للحل باستخدام قنبلة نووية ضد فلسطينيين منتشرين في كل أرجائها، ولذلك يدرك الفلسطينيون أن القوة العسكرية الإسرائيلية أعدت للأخطار القادمة من الخارج وأن وضعهم داخل فلسطين جعلهم إما تحت حكم احتلال عسكري أبدي لن يتوقفوا عن مقاومته، وإما تحت حكم نظام عنصري، وكلا الوضعين لم يعد العالم يقبل بأي منهما، فإما دولة مستقلة فلسطينية فوق التراب الوطني كتقرير للمصير وإما مساواة كاملة بينهم وبين اليهود وفي هذه الحال لن تعود أراضي فلسطين لليهود وحدهم، وهو ما يعده الإسرائيليون هزيمة للمشروع البريطاني الصهيوني في فلسطين أمام عالم يتعاطف مع أهداف الفلسطينيين التي تحققت لكل الشعوب الإفريقية التي حكمها الاحتلال الاستيطاني البريطاني وهزم فيها وانسحب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن