«جنيف بمن حضر».. فمن يلحق نفسه؟
| سامر ضاحي
«جنيف بمن حضر» هكذا مهدت الأمم المتحدة لمباحثات جنيف 3 التي بدأت أمس والتي مثل فيها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بوصلة اتجاهات الأزمة السورية ولاسيما أنه صاحب الحق بدعوة الوفود إلى المفاوضات التي قطع كل الطرق عليها الأسبوع الماضي بإعلانه أنها تحولت إلى مباحثات ونقلها فجأة من بحث المرحلة الانتقالية كما نص بيان جنيف 2 إلى البحث في حكومة وحدة وطنية ليعيد إلى المبادرة الإيرانية والخطة الروسية اعتبارهما الذي فقداه في فيينا 2، في موقف تطابق فيما يبدو مع موقف دمشق التي أكدت أن المعارضة لن تأخذ في جنيف ما لم تأخذه على الأرض، وينسف كل ما سبق ذلك وخاصة جنيف 1.
حنكة دمشق وتحول مواقف مجموعة الدعم الدولية بشأن سورية ضد معارضة الرياض كلها تنبئ بإمكانية تمخض جنيف 3 عن شيء جديد، فدمشق لاعب سياسي معروف بحنكته تاريخياً بإدارة الملفات السياسية المتشابكة طويلة الأجل من بينها الملف اللبناني وأزمة الخليج وغيرهما من الملفات الإقليمية ومن خلفها الحليفتان روسيا وإيران التي دوخت العالم في مفاوضات الملف النووي وماطلت وسوفت حتى وصلت إلى ما تريده بعد عشر سنوات كاملة فأرسلت الحكومة السورية وفدين إلى المباحثات الأول ترأسه وزير الدفاع فهد جاسم الفريج إلى موسكو أمس الأول والثاني ترأسه بشار الجعفري أمس إلى جنيف، في تأكيد منها على وحدة المسارين العسكري والسياسي، كما تؤكد للحاضرين في جنيف أنها لا تعير اهتماماً فقط لأحايث الطاولات التي تتقن الخوض بدهاليزها وهي التي خرجت من ضغوط جنيف 2 وجنيف 1 قبله كالشعرة من العجين بعدما أرادها حلفاء المعارضة مناسبة لإسقاطها بإملاءاتهم، أما اليوم فالجيش السوري يتقدم على الأرض مدعوماً بغطاء جوي روسي أثبت جدارته في ريف اللاذقية، ومستشارين إيرانيين مكنوها من انتزاع زمام المبادرة في جنوب البلاد، وحتى دعم أميركي روسي بتفاهم غير معلن يدعم «جيش سورية الديمقراطي» شمالاً، فهل لعاقل أن يتصور أن عاصمة الأمويين ستفوت فرصة كهذه عليها؟
الأمم المتحدة أكدت أن مباحثات جنيف ستجري بمن حضر في محاولة منها لاستغلال التوافق الدولي المتحصل بشأن الأزمة السورية منذ اجتماعات جنيف ولا سيما التقارب بين العملاقين الروسي والأميركي وانفراجة إيران في ملفها النووي وبدأت جدية الأمم المتحدة واضحة من خلال أكبر مفاجآت جنيف 3 التي سجلتها واشنطن بالخضوع لإرادة موسكو فأنذر وزير خارجيتها جون كيري معارضة الرياض من مغبة الغياب عن جنيف وأكد لهم ضرورة تعديل وفدهم ونسيان أحلامهم بوضع البحث حول العملية الانتقالية وحول الرئيس بشار الأسد جانباً والعودة إلى أرض الواقع لبحث حكومة وحدة وطنية لطالما تخوفوا من أن تطيح بهم لتجد الهيئة العليا للمفاوضات نفسها أمام صدمة لم تستفق منها بعد وهي المرتبكة بإعلان حضورها في مباحثات جنيف أو لا فوجدت تخريجة مؤقتة تمثلت بحضور بعض ممثليها في جنيف لكن ليس للتفاوض بحجة انتظار أجوبة الأمم المتحدة التي يبدو أنها لن تصل إليها، وخاصة مع الأنباء التي راجت مؤخراً بأن الهيئة عدَّلت وفدها بسحب اسم كبير مفاوضيها محمد علوش ممثل «جيش الإسلام» الذي تعتبره موسكو منظمة إرهابية كحال «أحرار الشام» بحجة أنه انسحب من رئاسة الوفد.
إذاً دور الرئيس بشار الأسد ليس موضوع تفاوض وكذلك المرحلة الانتقالية وشروط الهيئة العليا المعارضة، وهي الملفات التي لطالما طالبت بها معارضة الرياض التي بدت وكأنها تحاول الاستئثار بصوت المعارضة، على حين يعلم الجميع بأن هناك معارضة أخرى لها شأن ولا سيما ممثلي «لقاء موسكو» و«مؤتمر القاهرة» و«صوت الداخل» الذين تسابقوا للحضور إلى جنيف وبدوا أكثر ذكاء من معارضة الرياض باستقرائهم الموقف الإقليمي والدولي بشكل أدق ومحاولة عدم تفويت الفرصة التاريخية الممنوحة في جنيف 3، لا بل بدأت أطرافهم تضع بعض الاشتراطات للظهور بمظهر المفاوض الناجح.
لا يزال غياب الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم أحد أبرز ما يؤرق بعض الحاضرين في جنيف مع استمرار تهديد الرئيس المشترك لـ«مجلس سورية الديمقراطي» هيثم مناع بعدم حضور المباحثات إن لم يُمثل الأكراد فيها، قاصداً بذلك مسلم الذي تمثل وحدات حماية الشعب ذات الأغلبية الكردية اليد العسكرية لحزبه وهي التي تحقق الانتصارات مؤخراً على حساب تنظيم داعش الإرهابي في الشمال، ومن اللافت أن غياب هذا الحزب يعني تغييب عنصر مهم يكافح الإرهاب في سورية، وتغييب فئة معينة من السوريين عن جنيف وهو الأمر الذي لطالما قالت الأمم المتحدة إنها لا تريده.
اللافت أن الأمم المتحدة وجدت مخرجاً لإشكالية المشاركة في جنيف فأكد مبعوثها إلى سورية أن المباحثات ستستمر خلال ستة أشهر، على جولات تجري كل منها على أسبوعين لفتح المجال أمام تعديل المشاركين أو الإضافة إليهم الأمر الذي يجب أن تستغله معارضة الرياض أحسن استغلال وتسرع إلى قاعات جنيف ولا تبقى في موقف العاجز متخوفة من خروج دخان أبيض ينبئ بحكومة وحدة وطنية تغيب عنها بالكامل وتتمثل المعارضات الأخرى الحاضرة، بعض مقاعدها.
الفخ الآخر الماثل أمام معارضة الرياض هو فخ العسكر الذي تمثله مع إمكانية تمخض جنيف 3 عن قرار لوقف إطلاق النار وآخر لضرب الإرهابيين ومن المعلوم أن كل مقاتلي مجموعات المعارضة المسلحة يقاتلون إلى جانب جبهة النصرة المصنفة دولياً على قائمة الإرهاب سواء في غوطة دمشق أم إدلب وحلب ودرعا وبقية المناطق ومن ثم ستشمل أي عمليات عسكرية أولئك المقاتلين ولن يحميهم أي قرار لوقف إطلاق النار.
كل ماسبق لم يبق أمام هيئة الرياض إلا إعلان مشاركتها وصعود آخر طائرة متجهة إلى مطار جنيف أمس بعدما فشلت الرياض وأنقرة بخلق أي ثغرة في التفاهم الروسي الأميركي تمكنها من استشراف مستقبل لمعارضة الرياض إن غابت عن جنيف 3.