قضايا وآراء

قمة دون المأمول وأقل من المستطاع

| عبد المنعم علي عيسى

لربما كانت المناخات التي انعقدت فيها «قمة المنامة»، التي حملت رقم 33 من بين القمم العربية، هي الأعقد مما شهدته المنطقة العربية منذ منتصف القرن الماضي الذي راح يشهد نيل العديد من بلدانها لاستقلالها قبيل أن يكتمل العقد مطلع السبعينيات بنيل دول الخليج لاستقلالها كلها، إذ لطالما كانت دول المنطقة العربية الـ22 تعيش أوضاعاً غير مستقرة، لربما مع وجود استثناء وحيد تمثله الأوضاع السعودية التي تعيش حالاً من الاستقرار النسبي المشوب بالحذر، وما يزيد على هذه الحال المعتادة سابقة الذكر هو النار المندلعة في غزة قبيل سبعة أشهر ونيف، وتلك بمفردها تمثل تحدياً من النوع الذي يطرح أسئلة وجودية على الكينونة العربية برمتها، ثم يطرح تساؤلات تطول الجدوى من «القمم» و«البيانات» التي يمكن أن تصدر عنها، والجدير ذكره هنا في هذا السياق هو أن 11 ألفاً من الفلسطينيين في غزة كانوا قد سقطوا بعد انعقاد القمة العربية الإسلامية المشتركة المنعقدة شهر تشرين ثاني المنصرم والتي أدانت بشدة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وذاك رقم يمثل نحو ثلث إجمالي الضحايا منذ الـ7 من تشرين الأول، ما يشير إلى أن وقع التنديد الصادر عن كتلة بشرية يصل تعدادها إلى 400 مليون نسمة كان ضعيف التأثير، إلا إذا اعتبرنا أن إسرائيل كانت ستسقط رقماً أكبر من ذاك بكثير من دون تنديد.

تعقيدات المناخ وتأجج النار ساهمت سابقاً، ولا تزال، في إنتاج خطاب عربي يميل نحو «الاعتدال» الذي راح يتخذ، في الآونة الأخيرة، تموضعات تجعل من صفته تلك غير منصفة بحقه، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمسألة فلسطين والعلاقة مع الكيان الذي قام فوق أراضيها التاريخية، وإذا ما كانت الذرائع التي جرى تسويقها لتبرير ذلك الخطاب تنطلق من خيار «السلام»، الذي جرى اعتماده في مؤتمر «مدريد للسلام» عام 1991، وخيار «التفاوض» سبيلاً لتحصيل الحقوق العربية، فإن النتائج المستحصلة بعد مرور 33 عاماً على ذلك الخيار هي الصفر، بل على العكس من ذلك لربما كان «الاعتدال» العربي هو الذي قذف بكل هذا التطرف الإسرائيلي إلى الواجهة، والراجح أيضاً أنه لعب دوراً مهماً في صعود اليمين المتطرف الذي سيطر على المشهد السياسي الإسرائيلي منذ العام 1995 ليشهد الطبعة الأعتى منه أواخر العام 2022، فيما التباشير تقول إن أي طبعة محتملة جديدة لن تكون تحت السقوف التي اختارتها هذي الأخيرة، والسؤال الذي يجب أن يجيب عنه العرب هو: لماذا كانت تل أبيب تمضي نحو رفع سقوفها كلما قبل العرب بتخفيض سقوفهم؟ ولربما كانت الإجابة الوحيدة عن ذاك السؤال هي أن طلب السلام في ظل اختلال موازين القوى هو الذي يثير الشهية، لدى الآخر، برفع سقوفه وصولاً إلى تفكيره بالحرب سبيلاً لفرض هذي السقوف كأمر واقع، ألم تكن دعوات رئيس الوزراء البريطاني عام 1939، نيفل تشمبرلين، للسلام باتجاه هتلر برلين هي الشرارة التي دفعت بهذا الأخير لغزو بريطانيا ومن ثم أوروبا بأكملها؟

شغل الصراع الدائر في غزة الجزء الأكبر من «إعلان المنامة» الذي دعا إلى «نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية إلى حين تنفيذ حل الدولتين»، كما أيد القادة العرب دعوة العاهل البحريني القائلة بضرورة عقد «مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط إلى جانب دعم الاعتراف الكامل بدولة فلسطينية، وقبول عضويتها في الأمم المتحدة»، وهو الأمر الذي ارتآه أيضاً أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، الذي حل ضيفاً على القمة، حين أكد أن «ما من وسيلة دائمة لإنهاء مسلسل العنف والاضطرابات سوى الحل القائم على وجود دولتين»، ولربما يمكن القول إن «إعلان المنامة»، الذي اتسم نوعاً ما بشيء من «القوة»، كان قد ذهب لوسم نفسه بذاك الوسم كنوع من المغازلة لشارع عربي بات يعيش حالاً من الاحتقان تجاه واقع عربي قرر أن يكون شاهداً على «مقتلة» هي الأعتى مما شهدته جغرافيا ضيقة بهذا الحجم في هذه الألفية، ومع ذلك فالعبرة ليست في طرح الأفكار والحلول، بل في السبل الكفيلة بجعلها واقعاً على الأرض، ومن حيث النتيجة فإن الدعوة إلى وقف حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لن تجد طريقها للتنفيذ عبر البيانات، أو التنديد بتلك الحرب، بل عبر استخدام أوراق الضغط، وهي ليست قليلة، التي يمتلكها عالم عربي ما انفك يظهر التردد تلو الآخر حيال استخدامها، ولربما كان الفعل ناتجاً من قراءة مفادها أن قرار وقف الحرب- المقتلة هو بيد إسرائيل فحسب، وأن القوة الوحيدة القادرة على الضغط عليها هي الولايات المتحدة الأميركية فحسب أيضاً، لكن القراءة، آنفة الذكر، لن تضيف للمشهد العربي الآخذ بالتآكل سوى المزيد منه، والتردد اليوم سوف يكون مقدمة للإحجام غداً، فقضية فلسطين، والسبيل الذي ستسير عليه، ستكون محددة لشكل ولون المنطقة برمتها لعقود طويلة، ولربما لقرون أيضاً، والقول الأخير لا يحمل في طياته حساباً بإمكان بقاء إسرائيل لتلك المدة على قيد الحياة، فـ«البثور» و«الندبات» التي ستخلفها حلول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ستظل مرتسمة على الجسد العربي حتى ولو زالت إسرائيل يوم الغد الذي سيلي حل ذلك الصراع.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن