قضايا وآراء

الصين وأميركا الأعداء الشركاء بين المنافسة والصراع

| د. قحطان السيوفي

يشهد العالم خلافات وصراعات جيوسياسية، وتسعى الإدارة الأميركية لإعادة قنوات التواصل مع منافسها الأكبر الصين، وذلك بعد تأزم في العلاقات بين البلدين ما قد يؤدي لاندلاع موجة من صراعات تهز أسس المجتمع الدولي المتزعزعة منذ بدء الحرب الأوكرانية.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زار بكين مؤخراً لبحث استقرار العلاقات مع الصين، وكان على طاولة المفاوضات عدد كبير من القضايا محل منافسة أو صراع.

حذر بلينكن الصين من مساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا، واعترض على مطالبات الصين الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، إضافة إلى تفسيرات سياسة «الصين الواحدة» التي تنتهجها أميركا في التعامل مع تايوان، والقيود التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة لمنع تدفق التكنولوجيا إلى الصين.

سياسة الولايات المتحدة باتباع إستراتيجية المنافسة مع الصين لم تمنع التعاون في بعض المجالات منها تغير المناخ، الذي يهدد البلدين، والصحة العامة العالمية، ويقول العلماء: إن الحكومتين تعاملتا مع جائحة كوفيد-19 بشكل سيئ، ومات الملايين نتيجة لذلك.

بالإضافة؛ للأسلحة النووية، يدافع الصينيون عن حشدهم السريع على أساس أن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أكثر دقة، ورفض قيود الحد من التسلح قبل أن تضاهي ترسانتهم ترسانة الولايات المتحدة وروسيا.

ورغم اتفاق الرئيسين الصيني والأميركي في وقت سابق، على بدء محادثات حول الذكاء الاصطناعي، فإن الحكومتين عاجزتان حتى الآن عن إحراز أي تقدم ملموس، خاصة حول التطبيقات العسكرية لهذه التكنولوجيا.

وفي الاقتصاد، الصينيون اشتكوا من القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الصادرات من أشباه الموصلات المتقدمة، ويرى الصينيون فيها إجراء يهدف إلى تقييد النمو الاقتصادي في بلادهم في ظل المنافسة، ومن مصلحة البلدين أن يتجنبا الصراع، وأن يحددا مجالات التعاون ما أمكن.

قال الرئيس الأميركي جو بايدن في 17 نيسان الماضي: «إننا نقف بوجه الممارسات الاقتصادية غير العادلة للحكومة الصينية»، ووعد بزيادة الرسوم الجمركية على المعادن الصينية، وأضاف: «نحن في وضع أقوى للفوز بالمنافسة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين على حساب الصين»، وهذا يشير لاندلاع حرب تجارية بين البلدين.

وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، والملقب بثعلب السياسة الأميركية؛ فإن أحد أعظم إنجازاته التاريخية هو بدء إقامة اتصالات دبلوماسية بين واشنطن وبكين، وفي منتدى «بلومبرغ» للاقتصاد الجديد في بكين 2019، طُرح عليه السؤال التالي: «هل نحن في حرب باردة جديدة، مع الصين»؟ فكان رده: «نحن على سفوح التلال في حرب باردة»، وفي العام التالي، قال سنرتفع إلى «الممرات الجبلية»، وفي مقابلة أجريت معه في أواخر عام 2022، قال إن الحرب الباردة الثانية ستكون أكثر خطورة من الأولى.

بالمقابل الحرب بين أميركا والصين هي تكنولوجية جزئياً، لكنها تمتد لتشمل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والمسيّرات، والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكَمّيّة.

إنها حرب اقتصادية أيضاً، إذ يتنافس نظامان اقتصاديان مختلفان تماماً، ليس فقط على أشباه الموصلات، بل أيضاً على الخلايا الشمسية والمركبات الكهربائية، فالولايات المتحدة تغرق العالم بالدولار، والصين تغمر العالم بالأجهزة.

الحرب الباردة الثانية الحالية هي منافسة جيوسياسية كلاسيكية على مناطق وبحار معينة، ولاسيما تايوان وبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن مناطق تم ربطها ببكين عبر مشروع «الحزام والطريق».

من جهة أخرى؛ فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بصدد الإعلان عن فرض رسوم جمركية جديدة على المنتجات الصينية.

كان لقاء الزعيمين الأميركي والصيني الأخير في الاجتماع الثلاثين لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي «آبيك» في أميركا بمنزلة استحضار للتاريخ لتعزيز التنافس، ورغم أن اللقاء جاء في فترة يشهد فيها النظام الدولي عديداً من الأزمات، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية على غزة، واستمرار الحرب الأوكرانية، وكوارث طبيعية في العالم بسبب التغيرات المناخية، فإن النتيجة الأبرز التي أعلن عنها كانت حول التوافق على استعادة بعض التواصل والتنسيق في المجال العسكري.

إن استحضار التاريخ المشترك في سياق العلاقة بين دولة صاعدة ودولة مهيمنة من المنظور الواقعي، لا يعني الوصول إلى حالة من الاستقرار أو تقليص حدة المنافسة أو حتى تخفيف الصراع، ففيما يتعلق بالصين، كان استحضار التاريخ مقدمة لما يليه من رفض لسياسة الاحتواء الأميركية، إذ قال الرئيس الصيني شي جين بينع في لقائهما: «لا ينبغي للولايات المتحدة أن تخطط لقمع الصين واحتوائها، وفي هذا السياق طرح شي سؤالاً: «هل نحن أعداء أم شركاء»؟ ورغم أن واشنطن الشريك الأول الاقتصادي للصين عالمياً، إلا أن بكين تعي جيداً أن واشنطن تحاول إضعافها وعزلها دولياً، إذ قال شي في هذا الصدد: «من الخطأ النظر إلى الصين، الملتزمة بالتنمية السلمية، باعتبارها تهديداً»، وحديثاً، صنّفها الرئيس بايدن بأنها التهديد الأكبر الذي يجب مواجهته ومحاسبته.

تعتبر واشنطن صعود الصين الاقتصادي والعسكري تهديداً لمكانتها الدولية، والصين تشير بشكل متكرر إلى ضرورة خلق نظام متعدد الأقطاب، ما يعني سحب مكانة واشنطن الدولية كدولة مهيمنة وتوزيع قوتها على دول أخرى، تتشارك قيادة النظام الدولي وبالطبع من ضمنها الصين.

ومن ناحية أخرى، قال شي عام 2017، إن الهدف النهائي للصين هو أن تصبح «الأمة الأعظم» في تاريخ البشرية بحلول عام 2049، فالصين تصعّد، سواء قبلت واشنطن ذلك أم لا، وعلى واشنطن أن تتكيف مع هذا الصعود، ويكمن التشابه بين الصين وأميركا بالرغبة في تعميم أنموذجهما الخاص، أما الاختلاف فيكمن في الأدوات التي يستخدمها كلا البلدين، إذ تمارس الصين قوة ناعمة، مقارنة بواشنطن التي استخدمت القوة الصلبة لتحقيق ذلك.

بايدن قال في كلمته في اللقاء إنه «يجب علينا أن نضمن أن المنافسة لا تتحول إلى صراع، وعلينا أيضاً أن نديرها بطريقة مسؤولة»، ووصف بعض علماء السياسة والاقتصاد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بأنها شراكة إستراتيجية، وباحثون آخرون يرون أنهما سيكونان خصمين أو أعداء شركاء.

حددت الولايات المتحدة الصين على أنها المنافس الإستراتيجي الرئيسي الأول، في حين تنظر الصين إلى الولايات المتحدة باعتبارها تهديداً سياسياً واقتصادياً وأمنياً خارجياً رئيسياً.

ومع ذلك لا يرغب الاقتصادان الأكبر في عالم اليوم، حيث يمثلان معاً 40 بالمئة من الناتج العالمي، في قطع أو تحجيم علاقاتهما الاقتصادية، ولا يريدان الانزلاق نحو انفصال كامل بينهما، لأن العواقب ستكون كارثية.

أصبحت معاداة الصين داخل أميركا، إحدى القضايا النادرة التي يتفق عليها الحزبان الرئيسيان الديمقراطي والجمهوري.

الصين اليوم أهم قوة صاعدة على الصعيد العالمي؛ ما أثار المخاوف لدى الولايات المتحدة حول تغيير في عملية توازن القوى في النظام الدولي لمصلحتها.

وتبقى العلاقات الأميركية الصينية تتأرجح بين المنافسة والصراع؛ ويسعى الطرفان الأعداء الشركاء لتحقيق قدر من التوازن في هذه العلاقات رغم الافتقار إلى الثقة المتبادلة على الصعيد السياسي.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن