من دفتر الوطن

الأغاني والقلوب المتعبة!

| عصام داري

كي لا أكتب عن الأسعار والتجار، ولا أوجه اللوم لشخص في هذا البلد المكافح وشعبه المعطاء، قررت الحديث عن أغانينا وما تتناوله من موضوعات وقضايا وحكايات لها أول وما لها آخر.

معظم الأغاني العربية عاطفية، أي عن الحب والعشق والهوى، ومعظم هذه الأغاني يكون هناك ذكر للقلب باعتباره محرك العشق الأول، ومصدر شرارات الحب.

لاحظت أن الكثير من الأغاني العاطفية التي يدخل فيها القلب كقاسم مشترك أعظم، تشتكي من التعب، فالموسيقار الذي لا يعوض محمد فوزي له أغنية تقول «تعب الهوى قلبي والحلو مش جاري» وبهذه الكلمات يرمي المسؤولية في تعب القلب على الحلو، الذي هو الحبيب.

أما فيروز فتطلب من قلبها، الذي يعتقد أنه حبيبها بألا يتعب قلبه: يا قلبي لا تتعب قلبك وبحبك على طول بحبك، من الواضح هنا أن الحبيب احتل مكان القلب وصار مخاطباً من الحبيبة التي هي فيروز طبعاً.

وتعب القلب ليس جديداً، بل هو قديم جداً، إذ ستجد في التراث والفولكلور العربي الكثير من الأغاني التي تتحدث عن وجع القلب، وأعتقد أن أشهر هذه الأغاني أغنية هالأسمر اللون، هالأسمراني، تعبان يا قلب خيّوه، هواك رماني.

مع ذلك فالتعب مقبول نسبياً إذا ما قارناه بالجراح والأنين، فالموسيقار فريد الأطرش يغني ودموعه على الخدين فيقول «يا قلبي يا مجروح اصبر على المقسوم باب السـما مفتوح لدعوة الـمـظلوم».

الغريب أن قلب فريد الأطرش مجروح مع أنه سبق وأهداه لحبيبته: «قلبي ومفتاحه دول ملك إيديك، ومساه وصباحه، يسألني عليك» فأين العدالة في الحب والهوى، أن نهدي قلوبنا لمن يجرحها ويصيبها بالوجع، أم إن العذاب وسهر الليالي من ثوابت شرع الهوى؟.

لكن شادية لا تشعر بالتعب هي ولا قلبها، بل فعلت كما فعل فريد الأطرش وزيادة فقد قالت لحبيبها: القلب معاك ثانية بثانية، لو حتى تروح آخر الدنيا.

عبد الحليم حافظ أوقعنا في حيرة، فهل هو عاشق، أم إنه بعيد عن العشق مسافة طويلة؟ فمرة يقول: يا قلبي يا خالي، ومرة أخرى يقول: يا قلبي خبي ليبان عليه، ويشوف حبيبي دموع عنيه، ومن الظاهر أن قلبه متعب كقلوب باقي العشاق وينضف بذلك إلى محمد فوزي وفيروز وفريد الأطرش.

أما أنا فقد أنهيت كلامي عن الغناء والقلوب المتعبة، ومنها قلبي الذي يحتاج إلى صيانة في القريب العاجل، والأهم أنني ابتعدت عن انتقاد الحكومة ورفع الأسعار بقراراتها التي تجاوزت تجاوزات التجار، ولم أتحدث عن رفع سعر لتر البنزين بمقدار 500 ليرة في الأسبوع، ولا رفع سعر أسطوانة الغاز لمحدودي الدخل ليصل السعر إلى مئة ألف ليرة، وغير ذلك، وأعلن على الملأ: أن الدنيا بخير وبكرا أحلى وإذا كان لديكم كلام آخر مختلف فبلطوا البحر، هذا إن وجدتم بلاط وسيراميك وإسمنت بأسعار السوق السوداء كأيامنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن