قضايا وآراء

حقائق وراء «نظرية القدرة الإنتاجية الفائضة في الصين» التي تروجها أميركا والغرب

| بقلم السفير الصيني في سورية شي هونغوي

في الآونة الأخيرة، قامت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الأخرى بتضخيم ما يسمى بـ«القدرة الفائضة التي تؤدي إلى منافسة غير عادلة» في قطاع الطاقة الجديدة في الصين، ما أدى إلى تشويه سمعة المنتجات الصينية المصدّرة، والمتمثلة في مركبات الطاقة الجديدة وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية، واعتبارها تهديداً للتنمية الصناعية في البلدان الأخرى، زاعمةً أن «القدرة الإنتاجية الفائضة» في الصين «تصدم الاقتصاد العالمي».

إن الإنتاج المعتدل الذي يتجاوز الطلب في صناعة معينة خلال فترة معينة هو نتيجة تأثيرات مجتمعة لمتغيرات في العرض والطّلب في السوق، وتقلبات الدورة الاقتصادية وعوامل أخرى، وهو أيضاً من الناحية الموضوعية، عملية منافسة كاملة وفي النهاية البقاء يكون للأصلح.

إن الحصة السوقية العالمية أو حجم الصادرات لصناعة معينة في بلد معين هي إلى حد كبير نتيجة استغلال البلدان للمزايا التي تتمتع بها، وإقامة تعاون متبادل المنفعة، ولا يمكن ببساطة استخدام المؤشرات ذات الصلة كمعيار لقياس الطاقة الفائضة.

لقد قامت الدول الغربية بتسييس وإضفاء الطابع الأمني على القضايا الاقتصادية والتجارية، وهو ما يتعارض مع القوانين الاقتصادية والاتجاه العام للعولمة، وقد أدى ذلك إلى تفاقم خطر تجزئة الاقتصاد العالمي والتأثير على الرخاء العالمي والتنمية المستقرة.

وهنا لابد ومن عرض مجموعة من الحقائق التي ترتبط بهذا الملف:

الحقيقة الأولى: لا يوجد في الصين «إنتاج فائض» واسع النطاق ودائم، ولا تصدّر ما يسمى «القدرة الإنتاجية الفائضة» إلى الخارج، وفي السنوات الأخيرة، قامت الصين بإصلاح هيكلي من جانب العرض وخفّضت بشكل حازم الطاقة الإنتاجية في صناعات مثل الصّلب، وزاد معدل استخدام القدرات الصناعية تدريجياً، بما في ذلك صناعة السيارات، أما بالنسبة لما يسمى بمشكلة «الإنتاج الفائض» في صناعة الطاقة الجديدة في الصين والتي ناقشها بعض الأشخاص في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الوضع الحقيقي هو أن منتجات صناعة الطاقة الجديدة في الصين تزود السوق المحلية بشكل أساسي ولا يتم تصديرها على نطاق واسع، فالصادرات إلى الولايات المتحدة محدودة جداً، وعلى سبيل المثال، بلغ إنتاج ومبيعات مركبات الطاقة الجديدة في عام 2023 في الصين 9.587 ملايين وحدة، مثلت المبيعات المحلية منها ما نسبته 87.3 بالمئة فيما مثلت نسبة الصادرات الأجنبية 12.7 بالمئة، وبلغ حجم الصادرات إلى الولايات المتحدة 13 ألف مركبة فقط، وهو ما يمثل 82 بالألف فقط من صادرات الصين.

وفي العام الماضي، تجاوز متوسط سعر بيع مركبات الطاقة الجديدة الصينية في أوروبا 31 ألف يورو، وهو أعلى من سعر البيع المحلي، ولا توجد مشكلة ما يسمى «تشوه السعر».

مثال آخر هو المنتجات الكهروضوئية، ففي عام 2023، بلغ إنتاج الوحدات الكهروضوئية في الصين 499 غيغاوات، ومثلت الصادرات إلى الولايات المتحدة 5 بالألف فقط من صادرات الوحدات الكهروضوئية في الصين.

الحقيقة الثانية: تنبع مزايا صناعة الطاقة الجديدة في الصين من المنافسة الكاملة في السوق وهي انعكاس لمزايا متعددة مثل التكنولوجيا والسوق والسلسلة الصناعية، فالصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها جميع الفئات الصناعية في التصنيف الصناعي للأمم المتحدة، واحتل حجم الصناعة التحويلية المرتبة الأولى في العالم لأكثر من 10 سنوات على التوالي، مع قدرات تنظيمية صناعية قوية ومرونة في سلسلة التوريد، ولديها سلسلة صناعية كاملة تغطي البحث والتطوير في المواد والتصميم الهندسي لإدارة التصنيع وتكامل التجميع النهائي، كما يوفر السوق الاستهلاكي الضخم في الصين وبيئة استخدام السيارات الغنية والمتنوعة الظروف المناسبة للبحث والتطوير والتحديث المتكرر لمركبات الطاقة الجديدة وبطاريات الطاقة وغيرها من التقنيات.

تنبع مزايا صناعة الطاقة الجديدة في الصين من القوة المتراكمة من التعزيز القوي للابتكار العلمي والتكنولوجي، فبعد سنوات من الممارسة، استمرت التكنولوجيا الأساسية لصناعة هذه الطاقة في الصين في التطور، كما أن مستوى تصنيع معداتها يقود العالم.

لا تمتلك الصين العديد من شركات مركبات الطاقة الجديدة المحلية فحسب، بل تفتح أبوابها أمام شركات مركبات الطاقة الجديدة الأجنبية، وعلى سبيل المثال، يعتبر مصنع «تسلا شنغهاي جيجا فاكتوري» الأعلى قدرة إنتاجية ومركز تصدير عالمي رئيسي لـ»تسل»ا، كما قامت مجموعة «فولكس فاغن» الألمانية بإنشاء أكبر مركز للبحث والتطوير خارج مقرها في مدينة خفي بمقاطعة آنهوي.

إن التأثير المشترك لهذه العوامل يساعد على خفض تكاليف الإنتاج، وتوفير القدرة الاقتصادية للوصول إلى منتجات الطاقة الجديدة في الصين، وتعزيز القدرة التنافسية العالمية، وهذا يتشكل من خلال المنافسة الكاملة في السوق، وليس من خلال ما يسمى «الإعانات» أو المنافسة غير العادلة.

الحقيقة الثالثة: تقدم صادرات منتجات الطاقة الجديدة في الصين مساهمات مهمة في مكافحة تغير المناخ ودفع التحول إلى التنمية الخضراء، وفي الوقت الراهن، أصبحت حالة تغير المناخ العالمي خطيرة بشكل متزايد، ويعد تطوير صناعات الطاقة الجديدة واعتماد منتجاتها أساساً مهماً للاستجابة للحالة الطارئة وتحقيق التنمية الخضراء، وبالتالي فإن القدرة الإنتاجية العالمية لمنتجات هذه الطاقة هي بعيدة كل البعد عن تلبية طلب السوق، وعلى سبيل المثال ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية فإن الطلب العالمي على مركبات الطاقة الجديدة، سيصل إلى 45 مليون وحدة في عام 2030، وهو ما يعادل 4.5 أضعاف الطلب عليها في عام 2022، أي بزيادة نحو 4 مرات، وبينما تعمل البلدان بقوة على تطوير صناعة الذكاء الاصطناعي، فإنها تحتاج أيضاً إلى دعم أساسي من مرافق توليد الطاقة وتخزين الطاقة الجديدة، وعلى أساس تلبية الطلب المحلي وتعزيز تحقيق أهداف الكربون المزدوج، تواصل منتجات الطاقة الجديدة في الصين أيضاً تقديم مساهمات بارزة في الاستجابة العالمية لتغير المناخ وتحقيق التنمية الخضراء، ولا يتم تصدير منتجات الطاقة الجديدة في الصين بشكل كبير ولديها فائض، ولكنه يتماشى بشدة مع الاحتياجات العالمية الملحة، وقد قدمت الصين دعماً مهماً للبلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العديد من البلدان النامية، للتعامل مع تغير المناخ ودفع التحول إلى التنمية الخضراء.

الحقيقة الرابعة: في حين تتمتع الولايات المتحدة والدول الغربية بالفوائد التي تجلبها التجارة العالمية، فإنهم يتهمون الصين زوراً بـ«القدرة الإنتاجية الفائضة»، لكن الحقيقة مرتبطة بـ«الإفراط في الهيمنة» الخاصة بهم، ويروج بعض الناس في الولايات المتحدة وأوروبا لـ«نظرية القدرة الإنتاجية الفائضة في الصين»، والتي تهدف في الأساس إلى خلق زخم عام لسياساتهم الحمائية، والهدف النهائي هو كبح التحديث الصناعي والابتكار التكنولوجي في البلدان النامية التي تمثلها الصين.

ولفترة طويلة، حصلت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية المتقدمة على قيمة مضافة ضخمة من خلال احتلال الطرف الأعلى من سلسلة القيمة، في حين كانت أغلبية البلدان النامية لفترة طويلة عند الطرف الأدنى من سلسلة القيمة، ففي حال تجاوزت الطاقة الإنتاجية لدولة ما طلب السوق الخاص بها، فسيتم اتهامها بـ«القدرة الإنتاجية الفائضة»، ولقد صدرت الولايات المتحدة 91.2 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في عام 2023، وأصبحت أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. كما تُباع الرقائق الإلكترونية، والسيارات، والطائرات المنتجة في الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم، وهي بالتالي تنطبق عليها بالكامل مصطلح «القدرة الإنتاجية الفائضة».

لقد قدمت الولايات المتحدة «قانون الحد من التضخم» في عام 2022، والذي يوفر للمستهلكين ائتمانًا ضريبياً يصل إلى 7500 دولار أميركي لشراء سيارات الطاقة الجديدة المنتجة محلياً، وهي سياسة دعم تمييزية لمركبات الطاقة الجديدة، وفي الفترة ما بين آذار 2020 إلى نهاية 2022، وافقت المفوضية الأوروبية على أكثر من ألف خطة دعم وطنية لـ27 عضواً، تتضمن مبالغ دعم تصل إلى 3.8 تريليونات يورو، وقدمت الحكومة الألمانية دعماً يصل إلى 10 مليارات و5 مليارات يورو على التوالي لمصانع الرقائق Intel وTSMC. وفي ظل كل هذه الظروف، تتهم الولايات المتحدة وأوروبا، الصين، بتقديم إعانات دعم واسعة النطاق أدت إلى القدرة الإنتاجية الفائضة، وهنا من الصعب إلا أن نشعر بأن الولايات المتحدة وأوروبا تتبع «معايير مزدوجة».

في سياق العولمة الاقتصادية، ينبغي النظر إلى قضايا الطاقة الإنتاجية بموضوعية وجدلية من منظور السوق ومنظور عالمي قائم على القوانين الاقتصادية، ويعتمد حل المشكلات ذات الصلة بشكل أساسي على السوق والتكيف وفقاً لقانون القيمة، ويجب على جميع الأطراف الالتزام بالمبادئ الأساسية لاقتصاد السوق مثل المنافسة العادلة والتعاون المفتوح، والتعامل بشكل صحيح مع النزاعات والخلافات في التعاون الاقتصادي والتجاري وفقاً لقواعد منظمة التجارة العالمية، للحفاظ بشكل مشترك على استقرار سلسلة الإنتاج والتوريد العالمية.

إن تشويه الحقائق، وإيقاد الصراعات، والتحريض على المواجهة، لن يحظى بشعبية كبيرة، ولن يصبح إلا مهزلة للآخرين، وستزيلها موجة التقدم التكنولوجي العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن