قضايا وآراء

دماء رئيسي وكل الشعوب المقهورة في رقبة الأميركيين

| علي عدنان إبراهيم

ساعات طويلة من البحث اقتربت من 14 ساعة فصلت بين سقوط طائرة الرئاسة الإيرانية في منطقة وعرة شمال البلاد وبين الوصول إليها وإعلان وفاة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان و7 مرافقين آخرين لهم رسمياً، الأمر الذي يمكن اعتباره نكبة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويوماً حزيناً للبشرية، إلا بعضها.

وقبل انطلاق التحقيقات في أسباب سقوط الطائرة الرئاسية، انبرى وزير الخارجية السابق ومهندس الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 الذي كان باباً لرفع العقوبات الأميركية الطويلة عن إيران، محمد جواد ظريف، انبرى لاتهام الولايات المتحدة بالوقوف خلف الحادثة ولو بشكل غير مباشر، فعقوباتها المجحفة بحق بلاده والمستمرة منذ نحو نصف قرن منعت وصول تكنولوجيا الطيران وقطع الغيار اللازمة لصيانة الطائرة الرئاسية وأسطول الطيران الإيراني، وتسببت بسقوط الطائرة ووفاة من فيها.

ويمكن إضافة بعض النقاط التي لم يذكرها الدبلوماسي الإيراني بالقول إن العقوبات الغربية وعلى رأسها الأميركية كانت سبباً أعاق وجود تجهيزات ومعدات مناسبة لتسريع عمليات البحث عن الطائرة الرئاسية، الأمر الذي أجبر طهران على طلب المساعدة الفورية من تركيا، العضو في حلف الناتو والمرضي عنه أميركياً الذي يمتلك تكنولوجيا الطيران، ليرسل طائرة قادرة على المسح في الأجواء المعقدة والصعبة كالتي كانت تشهدها المنطقة التي سقطت فيها الطائرة، حيث أعاق الضباب وتساقط الأمطار والثلوج الرؤية وجهود البحث، وتسبب بفوضى إعلامية غير مسبوقة على مستوى حدث كهذا الحدث المؤسف عالمياً، وأثار نشوة بعض الشامتين بإيران وصعودها الإقليمي ومواقفها من قضايا المنطقة والعالم، معتبرين أن الوقت الذي استغرقته فرق الإنقاذ الإيرانية وليد فشل هذه الدولة وليس وليد حصار طويل ونقص في المعدات اللازمة.

أما طائرة الرئيس التي سقطت، لسبب ستكشفه التحقيقات مستقبلاً، فهي طائرة أميركية الصنع يتوقع أنها وصلت إيران قبل الثورة الإسلامية عام 1979 وباتت تابعة للرئاسة الإيرانية بعد إسقاط حكم الشاه الموالي لواشنطن، وبسبب العقوبات الأميركية المجحفة لم تتمكن إيران من الاستعاضة عن هذه الطائرة بطائرة أخرى بالفاعلية ذاتها والميزات، فالمروحية المسماة «دبور الجحيم» مهيأة للطيران بسرعة كبيرة تصل إلى 260 كيلومتراً في الساعة، وبارتفاع شاهق يتجاوز 6 كيلومترات، كما أنها تتسع لـ 14 شخصاً، وبحمولة كبيرة تصل إلى أكثر من طنين، ومن الجائز أن هذه الطائرة قد استهلكت طوال عقود من الاستخدام وكانت بحاجة للصيانة اللازمة وقطع الغيار الأصلية الموجودة في بلد المنشأ أي الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن العقوبات قطعت طرقات التعاون كلها، وتراجع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن الاتفاق النووي وأد أي إمكانية لإصلاح العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما أكده من دون لبس، الكولونيل المتقاعد بالقوات الجوية الأميركية لايتون لباولا نيوتن، الذي صرح عقب الحادث مباشرة لشبكة «سي إن إن» أن «صعوبة الحصول على قطع الغيار يمكن أن يكون له دور في وقوع الحادث»، ويضيف: «تم تقديم المروحية لأول مرة خلال الفترة الأخيرة من حكم الشاه في عام 1976 في شكل تجاري، وكان لها وجود قبل ذلك في الجيش الأميركي، لذا فإن البداية الفعلية لهذا النوع من المروحيات ربما كانت في وقت مبكر من أواخر الستينيات من القرن الماضي، لذا فإن قطع الغيار كانت ستشكل بالتأكيد مشكلة بالنسبة للإيرانيين».

وببساطة فإن هذا القول ينطبق على كل ما ألمّ بالشعوب التي تعاني العقوبات الأميركية المجحفة وعلى رأسها سورية التي شهدت عقوبات طويلة منذ ثمانينيات القرن الماضي وحزماً أخرى منها منذ اندلاع الأزمة عام 2011 وما تبعها من معاناة على الصعيد الاقتصادي تحديداً وفي كل مناحي الحياة الخدمية والصحية بشكل عام ما تسبب من دون أدنى شك بمرض ووفاة الآلاف، كذلك فإن العقوبات الأميركية تسببت بوفاة مليون ونصف مليون عراقي وثقتهم المنظمات الدولية خلال 12 عاماً بسبب الجوع الناتج عن الحصار الخانق، وكذلك مجاعات اليمن والسودان والصومال والدول الإفريقية التي رزحت تحت العقوبات الأميركية، إضافة إلى كوريا الشمالية وكوبا البلدين اللذين يعيشان العقوبات الأطول منذ عقود، وتشمل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول حظراً تجارياً وتجميداً للأصول إضافة إلى منع الشركات العالمية من العمل مع هذه البلاد أو التعاون معها، ما يجعل تقدم الدول المعاقبة أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.

وبانتظار ما ستكشفه التحقيقات الإيرانية حول الحادث المأساوي الذي قد يكون سببه مختلفاً ولا يتعلق بالطائرة وصيانتها، فإن العقوبات الأميركية أداة إجرامية بحتة لا تقويمية ولا إصلاحية كما يحاول البعض الترويج لها بزعم أنها تمس نواحي معينة وتهمل أخرى، والتفاف الدول المعاقبة بعضها حول بعضها الآخر لتشكيل ثقل عالمي يفضي إلى عالم متعدد الأقطاب خارج عن الهيمنة الأميركية هو سبيل النجاة الوحيد من عصا العقوبات هذه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن