من دفتر الوطن

ثقافة الإنكار!!

| عبد الفتاح العوض

يقولون: إن الإنكار هو وسيلة الشخص لتجنب الحقيقة.. ورفض الإقرار بما حدث.

مثلاً نحن كمجتمع سوري في حالة إنكار لكثير مما حدث في بلادنا، ومن الكارثي أن ذلك لا يقتصر على فئة دون أخرى، بل ينسحب ليشمل معظمنا، لكن أسوأ حالة إنكار عندما تصيب المسؤولين في الحكومة، فلا يوجد الكثير ممن يعترفون بالواقع ويحاولون تغطيته بالإنكار وبالتصرف بعيداً عنه.

وفي أوضح الأمثلة وأكثرها شيوعاً لدى الناس أن الحكومة ترفع أسعارها بناء على التكاليف التي تقررها.. في حين تمنح الأجور لموظفيها حسب إمكاناتها المحدودة. الإنكار هذا يجعل الفساد في حالة شبه شرعيّة وإمعاناً في الإنكار تدّعي الحكومات مكافحة الفساد الذي صنعته. أشعر أحياناً أن بعض الإجراءات الحكومية مثل السائق الذي يعطي إشارة بالضوء أنه متجه لليمين ثم تراه يتجه فجأة لليسار!!

لا أريد أن أكون قاسياً لكن الواقع أكثر قسوة.. ليس الراتب شبه راتب.. بل المشافي شبه مشاف والمدارس شبه مدارس.. وقس على ذلك كثيراً.. كيف تكون المشافي مجانية ويشتري المريض معظم ما يحتاجه من خارج المشفى؟ كيف تكون المدارس مدارس ولا يوجد طالب إلا ويحتاج إلى دروس خصوصية؟ بل كيف تكون مدارس ويدفع الطلاب لقاء تأمين أوراق الامتحانات؟

أبعد من ذلك.. أن الكل في المجتمع والحكومة راضٍ عن نفسه، لكنه غير راضٍ عن الآخرين.

لا يوجد الكثير من المسؤولين الذين لا يشعرون بالرضا عن أنفسهم أو عن أدائهم.. وكذلك المواطن راض عن ذاته، لكنه ساخط على الجميع حوله.

لو أردنا أن نجيب عن سؤال جوهري.. إذا كان الجميع راضياً عن نفسه، فمن أين جاء هذا الواقع السيّئ؟1

من المسؤول عنه؟ ومن المسؤول عن إصلاحه؟

هل هذه النتائج التي نعيشها جاءت بغير مقدمات أوصلتنا إلى هنا؟

الرضا الحكومي عن النفس مثير للاستغراب، ويكاد كل مسؤول يعتبر نفسه قدم إنجازات خاصة به ما كانت أن تحدث لولا وجوده وجهوده.

إنكار الواقع.. والرضا عن النفس عمليتان مترابطتان الأولى تؤدي إلى الثانية.

وفي أبسط قواعد حل الأزمات أن تعترف بالمشكلة أولاً.. وأن تمتلك الإرادة لحلها، ومن ثم تمتلك القدرة لمعالجتها.

الآن وفي هذا البحر المتلاطم في عالم مشدود الأعصاب وفي حالة أزمات تحيط بنا من كل جانب، علينا أن نواجه الحقائق كما هي، وأن نعترف بالواقع لا أن ننكره.

ولعل الحاجة الآن إلى وضع أهداف واقعية وممكنة التحقيق، ورغم أن الطموحات الكبيرة مفيدة، لكننا من باب الاعتراف بالواقع، فإن وضع أهداف محددة وممكنة أفضل من القفز في الهواء.

اقتراحي هنا كل قطاع يقدم رؤية لثلاث سنوات فقط ماذا يمكن أن يقدم؟ وكيف؟ مع الخطة الزمنية المتدرجة على مدار السنوات الثلاث.

وليكن اختيار المسؤولين ممن يقدمون أفضل اقتراح يمكن تحقيقه.

أقوال:

– من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.

– تستطيع أن تكسب ثقة الجاهل إذا لم تعارضه في آرائه.

– من كان لا يبصر غير محاسنه ومساوئ غيره فالضرير خير منه.

– قيل: بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ بإصلاح نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن