ثقافة وفن

غياب الدراما التاريخية

| إسماعيل مروة

لم يخل موسم من المواسم الرمضانية قبل عقد من الزمن من وجود الدراما التاريخية العربية، وقد كانت هذه الدراما هادفة وموجهة للقيم والمثل، وتدفع المشاهد دفعاً إلى المتابعة والمعرفة، وقد تناولت دراما التاريخ شخصيات إشكالية، يعرف الكثيرون إشكالياتها، وشخصيات أخرى إشكالية، لكن الذين يعرفون ما تحمله قلة، ويُحمد للدراما التاريخية قبل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أنها كانت تقدم الدراما التاريخية بحكاية بيضاء ذات غايات نبيلة، من دون الدخول في الأمور التي تفرق الناس حول هذه الشخصية، وبالتالي حول ما تمثله، وفي هذا السياق قدّم الحجاج وخالد بن الوليد وهارون الرشيد وعمر بن عبد العزيز في الدراما التاريخية العربية عامة، وسورية ومصرية، وفي هذا السياق قدّمت سلسلة التاريخ الأندلسي التي تأخذ منها العبرة في التشرذم وغلبة المصالح، والأثر الذي تتركه في بنيان الدولة والمجتمع، ومن ثم كانت النقلة النوعية في الدراما التاريخية، إذ أخذت جوانب أيديولوجية مذهبية وطائفية ومناطقية، ومع أن هذه الشخصيات التي نحترم وجودها المؤثر كانت لها مواقف قد يتفق معها أناس، ويختلف معها آخرون، إلا أن رغبة رأس المال من كل جانب استطاعت أن تدع أي جانب اجتماعي أو فكري أو تربوي، وأن تذهب ابتداء من النوايا إلى الاختلاف، والى الجوانب السياسية، ومن ثم كانت عملية التضخيم لأي موقف سياسي أو فكري، بل توجيهه تجاه غايات لم تكن تخطر ببال، وحسبنا أن نعرف أن الحجاج بن يوسف شخصية أكثر من مشكلة، ومع ذلك تم تناولها بموضوعية وعرض العمل في كل القنوات العربية من دون أي إشكالية، ليس لتغير المزاج العام وحده، بل لأن التناول كان يركز على الجانب المثال الذي يمكن أن يقدم الفائدة والمتعة، وأزعم لو أن هذا العمل قدّم بعد الربيع العربي لكان سيأخذ منحى أيديولوجياً، وكذلك الظاهر بيبرس، وحتى التغريبة الفلسطينية من التاريخ المعاصر..!

شخصية مؤثرة في الإسلام والعرب والعالم، اختارها مايكل هارت ضمن المئة الأوائل في التاريخ، بغض النظر عن غاياته، مثل عمر بن الخطاب، هل يستطيع واحد أن ينكر فضل هذه الشخصية؟ هل يقدر واحد أن يسلب هذه الشخصية الكبيرة محاسنها ودورها وما سنته في أساليب الحكم؟ هذه الشخصية من أكثر الشخصيات غنى بالدراما والقوة والعدل والحنكة والسياسة والحكم، لو تم تناولها في المراحل التي سبقت التشظي العربي والإسلامي لكانت مادة تاريخية لا تقل في غناها عن مادة «النبي يوسف» الذي تابعه الجميع، وحين أنجز عمل عمر في مرحلة حرجة كان المنطلق أيديولوجياً، فقزّم الدراما الموجودة في حياته التي كانت قادرة على لمّ الشمل، وتم التركيز على ما يعني كوكبة من الناس ولغايات محددة، لذلك لم يترك أثراً إيجابياً، بل إنه ترك أثراً سلبياً، وربما تحولت مادة عمر وحياته إلى مادة محرمة التناول مستقبلاً!! وشخصية ذات دور محوري في حياة العرب هي شخصية باني الأساطيل والقوة والحنكة هي شخصية معاوية، يمكن أن يتم تناولها في جوانب بناء الدولة العربية، ومن منطلق وقتها وزمنها، ولكنه تم العمل عليها من منظور أيديولوجي في زماننا، ولخدمة أفكار محددة، لا لتقديم التاريخ والإسقاط عليه كما هو المأمول، لذلك لم يتم العمل على إتمامه وإنجازه.!

العمل التاريخي ضرورة في كل زمان ومكان، فالحديث عن طروادة لا يتوقف ولن يتوقف بحال من الأحوال، وتناول السيرة النبوية من الغنى بمكان، وشخصيات العرب في الجاهلية، والإسلام تحتاج إلى عرض، وتحتاج إلى أن نتمثل ما فيها من مميزات، وضمن عملية أنسنة تتناول الإيجابيات والسلبيات كما فعل مخالفاً كل التوقعات البارع ممدوح عدوان حين كتب الزير سالم الذي أنزله عن سرج الخرافة إلى الأسطورة في القوة، ثم نقله إلى الإنسانية، بما يملك الإنسان من مواصفات قد تكون سلبية أو إيجابية، ولأن الغاية من التاريخ ما قبل الإسلام، أو الإسلامي تتمثل في العرض والإسقاط والتعلم.

لننظر دوماً إلى النواحي المفيدة في الآخر لنتعلم منها، نأخذها وندع سواها، لأنها لا تقدم الفوائد المرجوة، التاريخ البعيد أو القريب على السواء يجب أن ينطلق من خريطة دقيقة تحدد الدراما والحدث والغايات لتتحول هذه الدراما إلى أمر مفيد نتعلم منه، أما اعتماد الأيديولوجيا فلا يحتاج منا إلى هذه الإنتاجات الكيدية الضخمة والأموال الطائلة، ويمكن أن يكتفى بوثائقيات أو كتب موجهة أو مقالات، وكل هذه الأشياء يمكن أن تطوى بعد انتهاء الصلاحية.

الدراما تحولت إلى وسيلة ثقافية في غياب القراءة، وأزعم أن التغريبة قدمت القضية الفلسطينية كما لم تكن معروفة لدى العامة، وكذلك أم كلثوم ونزار قباني والأيام والعملاق والزير سالم والحجاج وسلسلة الأندلسيات، ولولا الدراما فإن الكثيرين لا يعرفون شيئاً عن هذه الشخصيات والحقب!!

فلنعد إلى الدراما التاريخية بشيء من العلمية وكثير من المهنية، لأن دورها أكبر مما يتهيأ لمن أهملها أو وجهها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن