احذروا ساعة الغفلة!
| فراس عزيز ديب
صباحَ يومٍ ربيعي جميل وفي إحدى قرى الريف الفرنسي الهادئ، كان أحد الأشخاص يعبرُ بسيارتهِ على طريقٍ ريفي ولأن المنطقة شبهُ فارغةٍ فقد أعطى لنفسهِ الحق بأن يتجاوز السرعة المسموح بها بما يقارب الضعف، فجأة ومن دون سابقِ إنذار خرجَ أمامه غزال كبير محاولاً العبور إلى الضفةِ الثانية للطريق، أدركَ الغزال هنا بأنهُ ميت لا محالة محاولاً الهرب من ضجيج محرك السيارة، أما السائق فحاولَ كبح سرعتهِ إلى أقصى حد محاولاً تجنبَ دهسه، ربما ليس من باب الإنسانية بقدر ما هو الحرص على سيارته، حتى بدأت السيارة تترنح يميناً وشمالاً، تمكن الغزال من الهروب بسلام، أما سائق الحافلة فبدأ يشتمِ الغزالَ الهارب ويشتم الحظ العاثر الذي دفعَ بهِ للعبور من هذا الطريق بهذهِ اللحظة غير المناسبة، لدرجةٍ كأن صراخهُ كسر هدوء هذا الريف الجميل.
أبطأ السائق سرعة سيارته حتى يستعيدَ توازنه وتوازن سيارته، وهو يفكر بالكارثة التي تجنبها فيما لو اصطدمَ بهذهِ السرعة بالغزالِ الشارد، وباللحظة التي قررَ فيها العودة لسرعته الجنونية انتبه إلى وجود سيارةٍ تشبه سيارات الشرطة مركونة إلى جانب الطريق، عادةً ما يكون وجود سيارات كهذه مرتبطاً بوجود رادار وكاميرا مراقبة متحركة تضعهما الشرطة على مسافةٍ من السيارة لمراقبة رعونة السائقين في تجاوز الحد المسموح به للسرعة، مرَّ من أمامهم بهدوء دونما أن يزعجوه لأنه ملتزم بالسرعة المحددة، لكن ماهي إلا مئات الأمتار حتى توقف السائق إلى طرفِ الطريق وأجهشَ بالبكاء، تذكرَ حادثة الغزال وتذكر بأن الرادار الافتراضي الذي وضعته الشرطة كان على مسافةٍ قصيرة من المكان الذي عبرَ منه الغزال، تذكرَ بأن اللحظة التي وصفها بالملعونة كانت في الحقيقة لحظة جميلة أجبرهُ معها ذاك الغزال المسكين على تخفيضِ سرعته، الأمر الذي كان ربما سيكلفه خسارة رخصة القيادة فيما لو التقطه الرادار يسير بهذهِ السرعة الجنونية!
اللافت بنوع كهذا من الأحداث أن كلاً سيفهمه على طريقته، فالواقعي مثلاً سيقول لكَ إن الأمر هو محض مصادفة من دون أن يجيبوا على الكثير من الأسئلة أهمها:
أليسَ إرجاع كل شيء إلى المصادفة هروباً؟
أما أصحاب النظرة الدينية المتشددة فسيقولون لك: سبحان من سخر هذا الغزال ليستفيدَ منهُ هذا السائق من دون أن يجيبونا أيضاً:
ولماذا سخَّره له أساساً وهو كان مخطئاً؟ بينما يموت عشرات الأطفال الأبرياء من دون أن يسخر لهم شيئاً يحميهم؟ أليس جوابكم هذا هروباً لكن على بركةِ الله!
أما الذين يوازنون بين النظرتين فسيكررون لكَ عبارة «لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع»، لكن حتى هذهِ العبارة تبدو قاصرة، فالغيب الذي لم نكن نعلمه أصبح واقعاً وهو أسوأ من الواقع الذي كنا نعيشه! إذاً فإن هذه العبارة لاتساوي حتى الحبر المكتوب بها.
ختاماً ستأتي الرواية التي ستستند إلى فكرةِ التقمص والحياة الثانية، لتقول لكَ: هذا الغزال يرد ديناً له لهذا الشخص! هنا لن أعقب على هذهِ الفرضية ولن أقول أي الروايات السابقة هي الأقرب إلي، لكن ما سأقوله ببساطة إن بعض الأحداث هي كذلك لا تحاول فهمها واختصارها بسياقٍ واحد، عليكَ أن تتعلم منها دروساً.
ولو من خارج سياقها الطبيعي، الحدث الرياضي مثلاً قد يعطيكَ درساً في الإرادة والأخلاق وحتى التسويق، أما الحدث السياسي ولو كان بصورةِ مأساة فإياك ألا تتعلم منه بأن «ساعة الغفلة» قد تطول كل كائن حي في هذا العالم، وتذكر بأن القدر سينال منك من دون النظر إلى مركزك أو مكانتك، ستصرخ وتحاول النجاة بنفسك لكن عندها لن ينفعك معه مرافقة ولا جيوش، لن ينجيك منه مال ولا بنون، الجميع هنا سواسية حتى في الصراخ لمحاولةِ الهروب من القدر، لكن الناجي الوحيد فقط هو التلميذ المجتهد الذي يعلم بأن الامتحان ليس صعباً، الصعوبة فقط بالتحضيرِ له.