قضايا وآراء

ماذا لو لم يكن سقوط الطائرة طبيعياً؟

| محمد نادر العمري

ما هي إلا دقائق معدودة بعد إعلان وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي مساء الأحد الماضي أن طائرة ضمن موكب يقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي واجهت صعوبة في الهبوط، لتتسارع بعدها مجموعة من الأنباء التي تؤكد حصول هبوط اضطراري صعب للطائرة التي تقل كبار المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمتهم الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومحمد علي آل هاشم ممثل المرشد الإيراني في محافظة أذربيجان الشرقية إضافة إلى مالك رحمتي وهو محافظ أذربيجان الشرقية، قبل أن ينتهي المطاف بإعلان استشهاد الشخصيات الأربع بعد ما يقارب من أربع عشرة ساعة بحث عن حطام الطائرة.

صحيح أن التاريخي الحديث شهد العديد من حوادث الطائرات، مدنية أو رسمية، نتيجة أسباب طبيعية، إلا أن هذه الفاجعة، إن صح وصفها بذلك، فرضت العديد من إشارات الاستفهام التي لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها من حيث التوقيت والشكل والمضمون، ولاسيما أنها أدت لوفاة شخصيتين على وزن الرئيس رئيسي ووزير الخارجية عبد اللهيان اللذين كان لهما دور ملموس في بلورة معالم جديدة للسياسة الخارجية الإيرانية على مستوى البيئتين الإقليمية والدولية.

انطلاقاً مما سبق، لا يمكن تجاهل الرابط العضوي ما بين الدور والتأثير لهذه الشخصيات على المستوى الداخلي والخارجي، وتوقيت وأبعاد هذا الحادث، من خلال التوصيف الدقيق والبحث الموضوعي عن أسباب هذا الحادث، هل هو حادث طبيعي؟ أم بسبب خلل فني مفاجئ؟ أو إنه نتيجة خطأ بشري؟ أو إن هناك أسباباً أخرى؟ إلى جانب مروحة من الأسئلة المتعلقة باحتمال تأثر السياستين الداخلية والخارجية الإيرانية بوفاة هذه الشخصيات؟ أو حصول اضطراب داخلي؟

فيما يتعلق بالإجابة عن الجزئية الأخيرة، من المؤكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تشهد فراغاً سياسياً أو اضطراباً داخلياً، وإن كان الجرح مؤلماً، إلا أن إيران شهدت حالتي فراغ لمقام الرئاسة منذ الثورة في العام 1979، الأولى في حزيران 1981 على إثر تبني مجلس الشورى قرار تنحية أبو الحسن بني صدر المتهم بعدم الأهلية السياسية وانتهاك مبادئ الثورة، والحالة الثانية حصلت في أقل من ثلاثة أشهر من الأولى على إثر اغتيال خلفه الرئيس محمد علي رجائي بحقيبة متفجرة.

استطاعت طهران تجاوزهما بمرونة من خلال عمليات انتقالية سياسية استندت إلى النصوص الدستورية التي تتصدرها المادة 131، والتي تنص على أنه «في حال لم يتمكن الرئيس الإيراني من ممارسة صلاحياته لمدة شهرين لأي سبب من الأسباب، في هذه الحالة تتولى لجنة مؤقتة مهام الرئاسة الإيرانية» وتوجب المادة ذاتها تولي اللجنة مهام الرئيس في حال وفاته أو غيابه أو المرض لمدة تزيد على شهرين، أو في حال انتهاء ولاية الرئيس، ولم ينتخب رئيس جديد. ويترأس اللجنة نائب الرئيس الإيراني بموافقة المرشد الإيراني، وتضم ضمن أعضائها رئيس البرلمان ورئيس الجهاز القضائي، وسيكون نائب الرئيس ملزماً بتنظيم الانتخابات الرئاسية في غضون 50 يوماً، وهو ما ترجم واقعياً بعد ساعات من نشر خبر وفاة الرئيس رئيسي عبر تكليف نائبه محمد مخبر رئيساً مؤقتاً وتحديد يوم 28 من الشهر القادم لإجراء الانتخابات.

أما فيما يتعلق بتأثر السياسة الخارجية أو الداخلية الإيرانية سلباً نتيجة فقدان شخصيتين بارزتين على مستوى رئيسي وعبد اللهيان، فإن مثل هذه المقاربة هي خاطئة، ولاسيما أن صنع السياسة الخارجية الإيرانية، وإن تولى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية مهمة تنفيذها والمشاركة بصنعها، إلا أن بلورتها تتم عبر عملية معقدة تشترك بها قوى رسمية وغير رسمية متعددة، بما فيها التيار الديني والعسكري، وبالتالي فإن مجمل السياسات العامة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتأثر، وإن كان هناك بعض الملفات الخارجية مثل التفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية قد يؤجل الحسم بها إن لم تتجمد بسبب الأشغال الإيرانية بترتيب الوضع الداخلي.

إن الإجابة عن الأسئلة المتبقية، مرهونة بطبيعة الحدث وتوقيته ومسبباته، وهو يفرض مقاربات تتضمن إشارات تعجب حول استخدام طائرة هليوكبتر متآكلة من الجيل الثاني في مهام رئيس دولة، وكذلك عدم تأثر الطائرتين المرافقتين بالأجواء والظروف المناخية السيئة، وغير ذلك من حالات تعجب لابد من الوقوف عندها والتي تدفعنا لعصف ذهني يفرض السيناريوهات الآتية:

السيناريو الأول هو وجود إهمال بشري متعمد أو غير مقصود في صيانة الطائرة تزامن مع اشتداد الظروف المناخية السيئة، مثل هذا السيناريو وارد، ولكن ليس على مستوى التعامل مع الطائرات الرئاسية، على غرار طائرة رئيس دولة في وزن ومكانة الجمهورية الإيرانية.

السيناريو الثاني وجود عطل فني متعمد تم افتعاله أو التغاضي عنه داخل طائرة الرئيس رئيسي لتحقيق أهداف تمس ببعض القوى الداخلية أو الخارجية، أو كليهما.

السيناريو الثالث يتمثل في استخدام الحرب السيبرانية لإسقاط الطائرة، ولكن مثل هذا السيناريو مؤشراته قليلة لكون الطائرة من الجيل القديم فضلاً عن استخدام هذه التقنية قد تؤدي لمعرفة الجهة المسببة وهو ما قد يؤدي لحرب إقليمية أو دولية.

وبالتالي فإن الدخول في حسابات وجود خلل متعمد أو تدخل بشري مقصود يدفعنا للبحث عن الفواعل المستفيدة من حصول هذا الحدث على مستويين الداخلي أو الخارجي:

خارجياً فإن هناك العديد من الدول الساعية لإحداث فوضى داخلية في إيران لتحقيق مكاسب إقليمية أو لتصدير أزماتها الداخلية أو لتعريض هيبة ومكانة إيران، من أبرز هذه الدول هي:

– الولايات المتحدة الأميركية التي تعد من أكثر المتضررين من قدرات ومكانة ودور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، ومع ذلك ليس للإدارة الأميركية مصلحة في المشاركة بارتكاب مثل هذه الجريمة، نظراً للدور الأميركي في الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية لعدم تصعيد الأوضاع والمجابهة مع طهران بعد الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي على مبنى القنصلية بداية شهر نيسان الماضي، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي توجب اهتمام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالملفات الداخلية، فضلاً عن عودة المباحثات غير المباشرة مع طهران مؤخراً بعد انسداد الآمال بالخيارات العسكرية، ومع ذلك فإننا هنا لا نمنح «صك البراءة» لواشنطن التي أثرت سلباً في نوعية الطائرة المستخدمة وكذلك ضعف إمكانات فرق البحث التي اضطرت لاستخدام القنابل المضيئة والاستعانة بدول مجاورة للبحث عن حطام الطائرة.

– لم تكن العلاقات الإيرانية الأذربيجانية في الآونة الأخيرة على أحسن أحوالها نتيجة الخلاف الذي تفاقم حول ما يعرف بممر زانجيزور الواصل بين أذربيجان وتركيا وحادثة الاعتداء التي شهدتها السفارة الاذريبجانية في طهران مؤخراً، إلا أن حادثة الهبوط الاضطراري للطائرة جاءت بعد مشاركة الوفد الإيراني برفقة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في تدشين سد «قيز قلعة سي» على الحدود المشتركة في إطار تحسين العلاقة بين الدولتين، لذلك ليس لأذربيجان أي مصلحة بذلك.

– الخيار الأكثر ترجيحاً ضمن هذه الحسابات تصب في احتمال ترجيح الدور الإسرائيلي، ولاسيما نتيجة ما قامت به إيران في دعم فصائل المقاومة أو بهدف رغبة حكومة نتنياهو بتصدير أزمتها وإبعاد الأنظار عما يحصل في غزة من مجازر، ورغبتها بالانتقام من القيادة الإيرانية التي وجهت صفعة مؤلمة للكيان ليلة 14نيسان الماضي، إلى جانب الانزعاج الإسرائيلي من التقارب الإيراني العربي.

المستوى الداخلي الإيراني ليس بعيداً عن حسابات احتمال حصول عمل تخريبي، وخاصة أن هناك ما يسمى المعارضة الداخلية ممثلة بـ«مجاهدي خلق» الساعية لإثبات وجودها بالأعمال العدوانية، وقد تكون ساهمت هي أو غيرها من خلايا تخريبية، بشكل منفرد أو بتنسيق خارجي بمثل هذا العمل.

من المؤكد أن هذه الفاجعة لن تؤثر في دور ومكانة وتأثير إيران، ولكنها ليست مجرد حادثة عابرة، وخاصة أن الرئيس رئيسي كان أبرز المرشحين لخلافة المرشد الأعلى، وهي نقطة في غاية الأهمية في حال ثبات وجود عمل تخريبي، فهل الرسالة كانت حدوث اضطراب داخلي تمهد الأجواء نحو تغذية الصراعات الداخلية، أو بغرض استهداف مكانة إيران ودورها، أم البحث عن السلطة؟

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن