مستقبل المنطقة بعد «طوفان الأقصى»
| تحسين حلبي
هل تصبح حرب إبادة شعب الإسرائيلية الأميركية الوحشية في غزة آخر هزائم الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة؟ هذا ما بدا يظهر تدريجيا في ساحة الصراع الدائر.
شهد تاريخ المنطقة عدداً من الحروب التي خاضتها إسرائيل والدول الغربية الاستعمارية لتكريس الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الامبريالية بدءا من العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي المشترك عام 1956 ضد مصر عبد الناصر وانتهاء بحرب الاجتياح الإسرائيلي -الغربي العسكري للبنان عام 1982، وفي أوقاتنا هذه نشهد منذ السابع من تشرين الأول، أكثر الحروب العسكرية خطورة ووحشية لإبادة الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقه الوطنية المشروعة بشكل نهائي، مثلما نشهد بالمقابل صمودا منقطع النظير في مقاومة الشعب الفلسطيني وفصائله لكل آلات الحرب الإسرائيلية الأميركية مع تزايد إمكانية إلحاق الهزيمة بمخططها وتفتيت قوة جيش الاحتلال في داخل الأراضي المحتلة، وهذه الإمكانية يؤكدها عدد من العوامل المتوافرة وهي أولا: التماسك المتين لقوى وأطراف محور المقاومة وجهودهم المشتركة في حماية فصائل المقاومة والتصدي لها لمنع الكيان والولايات المتحدة من الاستفراد بالشعب الفلسطيني.
ثانيا: تراجع قوة ونفوذ الدور الأميركي، وقدرته على الاستعانة ببعض دول المنطقة لإنهاء وتفتيت المقاومة.
ثالثا: تزايد الدور الروسي والصيني المتصاعد في مناهضة الحروب الأميركية في المنطقة على الساحتين الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الساحة الدولية التي يحتدم فيها الصراع بين القوتين العظميين روسيا والصين مع أميركا والغرب في أوكرانيا داخل القارة الأوروبية وفي بحر الصين داخل آسيا.
رابعا: تراجع إمكانية اعتماد الولايات المتحدة على القوات الإسرائيلية ودورها في أي حرب إقليمية مع محور المقاومة.
ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين بدأت تدرك هذه الحقائق ولكنها لا ترغب بأن يدركها الجميع وبخاصة بعد التسريب الذي يشير إلى أزمة الضعف الأميركي والإسرائيلي أمام قدرة التصدي لحربهما على القطاع ففي 23 تشرين الأول نشرت صحيفة «ميديل إيست آي» وصحف أجنبية أخرى ما جاء حول هذه الحقيقة على لسان وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكين في جلسة استماع للكونغرس حين قال فيها في الأسبوع الماضي: «إن التسريبات التي خرجت إلى وسائل الإعلام حول النقاش الذي جرى والإحباط الذي ظهر منه تجاه العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع ما كان يجب أن تظهر، فهذه التسريبات كانت جزءاً يؤسف له لأنها عبرت عن خوفنا من نتائج العمليات العسكرية الرئيسة في رفح».
لا شك أن هذا الشعور الأميركي بالإحباط يدل على خيبة الأمل الأميركية من الدور والوظيفة المتعثرة للكيان الإسرائيلي في المنطقة إضافة لتوليده المتاعب للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهذا ما يجعل مستقبل الهيمنة الأميركية في المنطقة يتعرض للانهيار مقابل تزايد قدرة دول كثيرة وبخاصة دول وقوى محور المقاومة على فرض جزء مهم من شروطها رغماً عن أنف الولايات المتحدة فمن الثوابت الواضحة الآن أن حجم ومعنى الهزيمة التي تكبدها الكيان الإسرائيلي سيقابله شعور متزايد بقدرة العرب على حماية القضية الفلسطينية من التصفية التي خططت لها واشنطن وتل أبيب لهذه القضية التي تحولت بعد «طوفان الأقصى» إلى جدول عمل ملح في الساحة الإقليمية العربية والإسلامية وفي الساحة العالمية، ومع هذه النتائج الواضحة لمصلحة الموقف العربي ستدرك الأطراف العربية وبخاصة محور المقاومة أهمية محافظتها على زمام المبادرة بعد كل التطورات التي حملتها عملية «طوفان الأقصى» لمصلحة المقاومة وقضية فلسطين.