ثقافة وفن

إجراءات النقد وقضاياه في الشعر الجاهلي

| مايا سلامي

كان للبيئة الجاهلية أثرها في نشوء النقد بسبب عادات وتقاليد المجتمع القبلي الذي ينشط العداء والمنافسة، فقد كانت للعرب قبل الإسلام مجالس لإنشاء الشعر ونقده، منها مجالس القبائل والبلاط والمدن والأسواق والغناء، التي أدت إلى ازدهار الشعر، ومن ثم ازدهار النقد الأدبي في ذلك العصر ولاحقاً في العصور الإسلامية الأخرى.

ولعل هذا ما دفع د. فاروق اسليم إلى التخصص في ذلك العصر بدراسته النقدية «إجراءات النقد وقضاياه في الشعر الجاهلي»، التي تضمنت قراءات بيان لإجراءات نقد الشعر ولوعي قضاياه لدى العرب قبل الإسلام، ولدى من في حكمهم من المخضرمين، وهي قراءات معنية بنقدهم لشعرهم آنذاك لا بنقد غيرهم له فيما بعد، وهي تهدف أساساً إلى توصيف النقد لا نقده، لذا ستكون الإجراءات البحثية لهذه القراءات توصيفية مع مراعاة البعد التاريخي من جهة قصر مجال البحث على ما صدر عن العرب قبل الإسلام، وعمّن هو بمنزلتهم من المخضرمين في مجال نقد الشعر.

أوليات النقد

وفي البداية يتحدث د. فاروق عن أوليات نقد العرب للشعر، ويبين أن القراءة الفاحصة لأشعار العرب وأخبارها قبل الإسلام تشير إلى ممارسات نقدية أولية نتوخاها في أربعة معالم رئيسة هي، تقصيد القصائد، واختيار الأجياد منها، وإطلاق ألقاب على الشعراء، والتوافق على استخدام مصطلحات خاصة بالشعر والشعراء.

وعن التقصيد يقول في دراسته: «تكمن أولية نقد الشعر تقصيداً لدى العرب قبل الإسلام فيما قدمه الشعراء من إبداع، انتقلوا به من حال اللمحة الشعرية الخاطفة والفكرة الواحدة أو الموضوع الواحد إلى حال الإطالة والتعدد ومن حال البساطة إلى حال البناء الشعري المركب… ونحن لا نعرف الزمن الذي امتد بين أولية الشعر وبدء تقصيد القصائد، لأن الأولية نفسها قد عفت عليها أزمان غابرة، غير أن أخبار الجاهلية وأشعارها تسمح لنا بمقاربة الزمن الذي تجاوز فيه الشعر العربي نمط المقطّعة إلى نمط القصيدة».

الأقوال الناقدة

كما يستعرض المؤلف في دراسته أقوال العرب الناقدة للشعر، ويوضح أن نقد العرب للشعر قبل الإسلام اتخذ طابع القول الشفاهي وله مظهران: نقد الشعر بالقول نثراً، ونقده بالقول شعراً، لافتاً إلى أن نقدهم بالقول نثراً يغلب عليه أنه إشارات موجزة وسريعة وعامة ولاسيما ما جاء منها في سياق تقديم شاعر على غيره باستخدام صيغة اسم التفضيل أشعر مضافاً إلى الناس أو إلى العرب أو إلى القبيلة للتعبير عن إعجاب فائق. أما أحكامهم الناقدة للشعر بالقول الشعري فهي الأكثر حضوراً وتنوعاً ويغلب عليها الوقوف عند جزئيات محددة لا عند أحكام عامة.

وفي حديثه عن نقد الشعر نثراً يؤكد د. فاروق أن صيغة أشعر الناس تأتي في سياق يراد فيه العرب وحدهم، فهي صيغة لحكم عام يفاضل به بين الشعراء العرب لا غيرهم، مستشهداً بقول لبيد بن ربيعة: «أشعر الناس ذو القروح يعني امرأ القيس».

وينوه بأن هذا التفضيل يمثل حكماً على شعر امرئ القيس كله مقارناً بأشعار غيره من الشعراء، وهو حكم مؤسس على معرفة الشاعر لبيد وعلى ذوقه للشعر.

وفيما يتعلق بنقد الشعر بالشعر الإبداعي فيذكر أنه يعني أن لغة هذا النقد لغة شعرية أساسها وعمادها الصورة التي يعبّر الشاعر الناقد بها عن الإحساس بفكرة نقدية تشمل قصيدة أو جانباً منها على نحو منفتح على تأويلات وتشعبات للمعاني.

وظائف الشعر

ويتناول د. فاروق في دراسته وظائف الشعر وهي الذاتية والموضوعية والناقدة فنياً.

وفي البداية يتحدث عن الذاتية، ويذكر: «قدم بعض الشعراء الجاهليين وعياً لوظيفة الشعر من جهة تأثيره في نفوس الشعراء والمتلقين، فالشعر البديع المغنى فيه لذة تعلل النفوس وتطربها، وإلى هذا أشار عبدة بن الطبيب بقوله: «وأحياناً يعللنا.. شعر كمذهبة السمّان محمول»، فنحن نعلل أحياناً بشعر متقن الصنع كأنه نقش مذهبة السمان يحمله الناس ويروونه لحسنه، وهذا الشعر: تذري حواشيه جيداء آنسة في صوتها لسماع الشرب ترتيل

ويشير إلى أنه من وظائف الشعر الذاتية أنه وسيلة رئيسة للتواصل الاجتماعي بين الأقارب المتباعدين، فإنشاد الشاعر يلقى قبولاً مهماً في المجتمع ويجعل وصوله إلى المرسل إليه ميسراً آنذاك.. وحول الوظيفة الموضوعية يبين د. فاروق أن الشعراء الجاهليين عالجوا قضايا غلب فيها الموضوع على الذات كالدفاع عن القبيلة والمديح والاعتذار، منوهاً بأن دفاع الشاعر عن قبيلته مؤسس على إدراكه أن لسانه هو الناطق بمفاخرها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن