قضايا وآراء

العلاقة بين المقاوم والمواطن

| معتز خليل

لكل من الرئيس الراحل حافظ الأسد والمصري محمد أنور السادات جملة بديعة تم الكشف عنها عقب حرب عام 1973، وهي الجملة التي كشفت عنها بعض من الوثائق المصرية، مفادها أن الحرب الاقتصادية الداخلية أشرس وأخطر من الحرب القتالية مع العدو، والمقصود هنا بالطبع توفير الخدمات والطعام والمواد التموينية للشعب، حيث كان كل من الرئيسين السوري والمصري يعرفان قوة تأثير اللوبي الإسرائيلي في العالم، وهو ما قد يؤثر على حجم المواد التموينية والاحتياجات الإنسانية لأبناء شعبيهما سواء السوري أم المصري.

أقول هذا في ظل توارد الأخبار الاقتصادية المتعددة والمتنوعة عن تردي الوضع الاقتصادي ليس فقط في عموم غزة بسبب العملية العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكن أيضاً بالضفة الغربية التي يعيش شعبها حياة خانقة وأوضاعاً اقتصادية صعبة.

وتشير بعض من أوراق تقديرات الموقف الأمنية إلى أن الحرب المشتعلة في غزة والمستمرة منذ أكثر من سبعة شهور تمثل واحدة من أبرز أسباب هذه الأزمة، في ظل منع العمالة الفلسطينية من العمل في الداخل الإسرائيلي وتصاعد خطورة الموقف الأمني في عموم الضفة.

فضلا عن هذا هناك أزمة كبيرة تتعلق بوضع المعابر، وعلى سبيل المثال قررت إسرائيل فتح معبر الجلمة منذ عدة أسابيع، ويتيح هذا المعبر مرور البضائع من الضفة الغربية للداخل الإسرائيلي، وهو أمر يتسم بالكثير من الامتيازات ومنها:

1- جودة المنتج الفلسطيني.

2- سعره المتميز مقارنة بالمنتج المماثل في الغرب.

3- يعرف صاحب العمل الفلسطيني المنتج الذي يقبل عليه المستهلك في داخل دولة الاحتلال، وهو ما يزيد من أهمية هذه البضائع.

وقد جاء افتتاح المعبر للمرة الأولى منذ هروب ستة سجناء من سجن إسرائيلي قريب، يبشر بانفراجة قريبة للوضع في الضفة الغربية، وبالتالي قد ينعكس هذا بالإيجاب على الاقتصاد وتعود الحياة إلى طبيعتها شيئاً فشيئاً في ظل أن إسرائيل لا تريد أي تعاطف جديد مع القضية الفلسطينية أو أن تتسبب إجراءاتها الصارمة في اندلاع انتفاضة جديدة ضدها.

غير أن الاحتلال أعلن من جديد عن فتح المعبر عند محاولة عدد من الفلسطينيين الدخول إلى إسرائيل للعمل.

من هنا أقول إن المواطن الفلسطيني يعيش في أتون بين مطرقة الاحتلال وسندان تداعيات ردود الفعل التي يتخذها جيش الاحتلال بسبب المقاومة، وهو أمر دقيق وحساس.

لا أحد ينكر على الشعب الفلسطيني الباسل حقه في المقاومة، وطالما وجد الاحتلال انتعشت المقاومة، إلا أن هناك تداعيات اقتصادية من المفترض الإشارة إليها.

ومع عرض الكثير من المعطيات الرسمية الفلسطينية يتضح أن قرابة نصف الشعب الفلسطيني يعيش عاطلاً عن العمل، وهناك المئات من الوظائف التي فقدها عمال هذا الشعب الباسل، وهناك الآن تصريحات باستبدال العمال الفلسطينيين بعمالة هندية أو أجنبية، ومع إغلاق المعابر تدهور الوضع أكثر، الأمر الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد الفلسطيني.

من هنا يجب الانتباه للتداعيات الاقتصادية التي يعانيها الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال، واعتقادي الشخصي أن الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الشعب الفلسطيني ستنعكس سلباً على الكثير من التوجهات والانعكاسات الاقتصادية والنفسية لهذا الشعب، وتدفع الكثير من أبنائه للهجرة للخارج بأي ثمن.

الاهتمام بالداخل هو أمر مهم، وأعود وأكرر أن جملة الرئيس السوري بشار الأسد في حواره مع سكاي نيوز عربية كانت جمله بديعة وثاقبة، حيث قال الرئيس إن هناك تحديات اقتصادية في الداخل تواجهه، ويعمل جدياً على التغلب عليها، والشعب السوري عاني ويعاني الكثير، رغم مهارة العمالة السورية ووجود بنية تحتية تحاول الحكومة توفيرها.

صحيح أن هناك مشاكل وأزمات ولكن في النهاية فإن التحدي الاقتصادي له الكثير من التداعيات التي تماثل التداعيات العسكرية للاحتلال وسياساته.

بالتالي باتت العلاقة بين المقاوم والمواطن هي علاقة متشابكة ومعقدة، وخاصة مع استمرار الحرب العدوانية للاحتلال على غزة لنحو سبعة أشهر، وهو ما يزيد من دقة هذه القضية.

إننا هنا وإذ ندعو للالتفات إلى التداعيات الاقتصادية على الشعب الفلسطيني من هذه الحرب، لا ننسى بأن الحرب ذاتها كبدت في المقابل إسرائيل خسائر فادحة وكبيرة بعد أن تعطل وشل اقتصادها وبدأت الهجرة العكسية منها، مع ملاحظة أن هناك فارقاً كبيراً في حجم الدعم الخارجي الذي تتلقاه إسرائيل، والدعم الذي يتلقاه الشعب الفلسطيني سواء في الضفة أم القطاع المحاصر.

وهذا تحذير ومناشدة في الوقت ذاته لأن يتحرك الأشقاء أكثر فأكثر لدعم الشعب الفلسطيني سواء في الضفة أم القطاع بسخاء أكثر للصمود أمام هذه الحرب الوحشية المجرمة باعتراف حتى من محكمة العدل الدولية ومن المحكمة الجنائية الدولية.

صحفي مصري مقيم في لندن

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن