بايدن بين المطرقة والسندان
| د. قحطان السيوفي
يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن تحديات كثيرة تعرقل فرص فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، حيث يتقدم الرئيس السابق دونالد ترامب قليلاً في استطلاعات الرأي، رغم كل مشاكله القانونية، فيما يواجه بايدن تراجع الدعم بين الناخبين الشباب والسود الغاضبين من الاقتصاد ومساندته لإسرائيل.
لا يختلف اثنان على أن الوضع الحالي للرئيس الأميركي جو بايدن هو الأصعب عليه، فقد بدأت فعلياً التحضيرات للانتخابات الرئاسية الأميركية، وفيما صعد دونالد ترامب إلى متن قطار استعادة السلطة، وخصوصاً بعد فوزه الأخير في الانتخابات للجمهوريين في ولاية أيوا، يستميت بايدن حالياً لتحقيق مكسب يعطيه بعض الأفضلية، وبعد أن صارع على الجبهة الأوكرانية في مقابل روسيا، ها هو يضع كل أمواله على الجبهة الإسرائيلية، ولكنه يصطدم بطموحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومصالحه الخاصة ويعطل التسوية التي يتوق إليها الرئيس الأميركي.
بايدن قال في عام 1986 عندما كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ الأميركي: «لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا خلق إسرائيل لحماية مصالحها»، ووقوف بايدن الداعم لحكومة نتنياهو يضعه داخل معادلات صعبة مع قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، فوضع العدوان الإسرائيلي على غزة بايدن بين المطرقة والسندان، فكيف يتمكن من دعم أعمال الإبادة الجماعية من نتنياهو من دون خسارة، أصوات الناخبين الديمقراطيين المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني، والتهديد علناً بعدم التصويت لمصلحة بايدن في انتخابات 2024؟
في مقدمة الولايات التي قد يخسرها بايدن ولاية ميشيغان التي ظهرت فيها حركة «عدم التصويت لبايدن» على خلفية دعمه الكامل للعدوان الإسرائيلي.
صحيفة «نيويورك تايمز»، أشارت إلى استطلاعات الرأي التي تظهر تقدم ترامب على بايدن في خمس ولايات حاسمة، في حين يتقدم بايدن في ولاية واحدة هي ولاية ويسكنسن، وهو ما يخالف سباق انتخابات 2020، حيث فاز بايدن على ترامب في الولايات الست.
لعل أسباب تآكل الدعم لبايدن تعود للغضب بشأن الاقتصاد والحرب في غزة بين الناخبين الشباب والسود واللاتينيين، ما يهدد بتفكيك الائتلاف الديمقراطي للرئيس بايدن، ولم يغير ارتفاع سوق الأسهم والمحاكمة الجنائية التي يواجهها ترامب من تحسين حظوظ بايدن أو الأضرار بحظوظ ترامب.
تعد الحرب الإسرائيلية في غزة التحدي الأكبر الذي يواجه بايدن؛ قال 13 في المئة من الناخبين الذين صوتوا في السابق لمصلحة بايدن، إنهم لن يصوتوا له في الانتخابات المقبلة، وأشاروا إلى أن تأييده المطلق لإسرائيل في حربها على غزة، كانت سبب تغيير تصويتهم، فيما أشار 17 في المئة فقط من الناخبين إلى أنهم يتعاطفون مع إسرائيل.
وفي سياق حرب غزة، يواجه بايدن انتقادات من داخل حزبه الديمقراطي من التيارات اليسارية والتقدمية، ومن المشرّعين الجمهوريين، إضافة إلى الانتقادات من منظمات حقوقية والجاليات العربية والشباب في الجامعات، وتزايدت سهام الجمهوريين ضد بايدن بعد تهديده بوقف بعض الأسلحة لإسرائيل.
داخلياً، يتعرض بايدن لانتقادات حول الاقتصاد وارتفاعات الأسعار والتضخم، ويشير 80 في المئة من الناخبين إلى الاقتصاد كأكثر قضية تزعجهم، وفقاً لاستطلاع رأي أن الناخبين يلومون بايدن على ارتفاع أسعار السلع الغذائية والبنزين، ويرفضون الترويج الذي تقوم به حملة بايدن الانتخابية حول نمو الوظائف وقوة الاقتصاد الأميركي.
بعد أكثر من سبعة أشهر من المعارك في غزة، يبدو بايدن وإدارته يدورون في دائرة الازدواجية الأميركية الاعتيادية؛ يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، ويمضي عملياً في عكس الاتجاه، حيث يعتبر الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، هو السبيل الوحيد لوقف إطلاق النار في غزة، وكأنه يشجع ويؤيد مواصلة تهجير سكان رفح، وربما إجبارهم على عبور الحدود أو الموت جوعاً ومرضاً.
إنها مسرحة أميركية إسرائيلية وخصوصاً بعد أن أقر الكونغرس الأميركي حزمة جديدة من المساعدات العسكرية تقدر بـ26,4 مليار دولار، والمفارقة في هذا الصخب والاعتراض الإسرائيلي على نحو 1800 قنبلة، فيما يتدفق جسراً جوياً عسكرياً أميركياً على تل أبيب.
يبدو بايدن، وكأنه بات تحت مطرقة الشارع الأميركي الآخذ في التحول رويداً تجاه دعم القضية الفلسطينية، وإن ظل التأييد لإسرائيل وزخمها أعلى، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «The Hill» أن 15 في المئة من الأميركيين يناصرون الحق الفلسطيني، في حين 32 في المئة يدعمون إسرائيل؛ أما السندان فيتمثل في أصوات اليسار الديمقراطي التقدمي، التي ترفض مواقف بايدن تجاه إسرائيل، وبين هذا وذاك، يلوّح اللوبي الصهيوني، بحرمان بايدن من أصواتهم الانتخابية.
كانت نقطة التحول والخلل في العلاقات الدولية هي الحرب الأوكرانية المشتعلة فمنذ شباط 2022 فجّرت عدداً من المتناقضات في النظام العالمي، الذي أصبح مهلهلاً، لم يعد مجلس الأمن فاعلاً، ولا محكمة العدل الدولية ولا محكمة الجنايات الدولية، كلها تملص منها الجميع، وشعارات الحرية والعدالة والمساواة وحق تقرير المصير، واحترام الحدود بين الدول، لم يعد لها معنى، وأصبح الحديث للقوة فقط.
الحرب الأوكرانية معركة قوة، والواقع يقول إن روسيا الاتحادية أقوى كثيراً من أوكرانيا، كما أن الدعم الأوروبي يتحول تدريجياً لأوكرانيا من مادي إلى معنوي، والمسألة مسألة وقت.
إنها معادلات جديدة ترسم في العالم، مفادها إن لم تكن قوياً، عليك الاستعداد لأن تكون ضحية!
بايدن يستعجل الحلول ويقع بين مطرقة نتنياهو وسندان ترامب، ويسعى بايدن لتسوية لاستعادة الرهائن ويأمل أن تنضج قبل أن يتعرّض للمزيد من الضربات الداخليّة، وهو يمارس الضغط على نتنياهو، بايدن المحاصر في مأزق يرى أن عامل الوقت لا يصب في مصلحته، في رأيه إما تسوية قد تساعده في الانتخابات، وإما حصول حرب عسكرية واسعة في المنطقة تؤدي لهزيمة مدوية له في الانتخابات.
إن دعم بايدن لحكومة نتنياهو التي أججت لحرب واسعة في المنطقة سيكلف الرئيس الأميركي خسارة أكثر فئات الناخبين دعماً له، وهم الشباب الذين كانوا بمنزلة مركب النجاة للحزب الديمقراطي في انتخابات 2020.
وفي سياق الأزمة الإنسانية في غزة ذكرت افتتاحية «وول ستريت جورنال» أن بايدن في حاجة ماسة إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، بدءاً بوقف إطلاق النار الذي تحاول الإدارة التوسط فيه، وتمارس ضغوطاً أكبر على إسرائيل لحملها على التخلي عن خطتها للاستيلاء على مدينة رفح.
بايدن أمام تحدّ كبير في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة نتيجة أفعال نتنياهو وغضب الشباب الأميركي؛ لذلك نجد أن إدارة بايدن في الآونة الأخيرة تحاول قدر الإمكان الإمساك بالعصا من المنتصف من خلال تهدئة الأوضاع، وطلب بايدن من نتنياهو، بصورة مباشرة، تخفيف التوترات على جبهة الضفة وعدم الدخول إلى رفح وبالتالي فإن بايدن عالق بشأن غزة، حسب ما قاله مدير المشاركة العالمية السابق في البيت الأبيض بريت بروين الذيي وصف موقف بايدن الحالي بأنه توازن دقيق بين المواقف السياسية والمناورات الإستراتيجية التي تهدف إلى ثني نتنياهو عن مواصلة غزو واسع النطاق لغزة، لكنه أشار إلى أن نتنياهو متمسك بنهجه، على الرغم من التداعيات المحتملة على العلاقة الأميركية الإسرائيلية.
وزير وسفير سوري سابق