قضايا وآراء

مجلس الشعب وإشكالية إعادة المشاركة السياسية الفعالة للمجتمع

| د. مازن جبور

انتخابات مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية، تمثل الحدث الانتخابي الأهم في البلاد، الأمر الذي يستدعي من القوى السياسية السورية وفي مقدمها حزب البعث العربي الاشتراكي، التفكير في آليات انتخابية جديدة، تنشط عملية المشاركة السياسية عبر إتاحة المجال لحراك اجتماعي واسع في انتقاء مرشحي البعث، وخصوصاً أن الاغتراب السياسي في سورية، في أوجه نظرا لما عانته ومازالت تعانيه البلاد من أزمة معقدة مركبة منذ العام 2011 وحتى اللحظة الراهنة.

وتعد انتخابات مجلس الشعب الحالية، مهمة جداً، وذلك لجهتين:

أولاً: ضرورة العمل من أجل تغيير النظرة الشعبية السلبية لدور المجلس وأعضائه.

ثانياً: الاستمرار في تكريس حالة المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية السورية، والتي انطلقت مع الانتخابات الداخلية لحزب البعث العربي الاشتراكي، والتي على إثرها أتت القيادة المركزية واللجنة المركزية الجديدة للحزب.

لقد عمل حزب البعث العربي الاشتراكي في تقديم مرشحيه لعضوية مجلس الشعب في الدور التشريعي السابق، ضمن تجربة «الاستئناس الحزبي»، ومثلت تجربة تراكمية مهمة في عملية تطوير الحالة الانتخابية داخل الحزب لخوض الاستحقاقات الوطنية، على الرغم من وجود بعض السلبيات ومنها:

إن الآلية السابقة لاختيار مرشحي المجلس، عظّمت من دور أمناء الفرق والشعب الحزبية، إذ بات دورهم كبيراً جداً في اختيار مرشحي المجلس، وخصوصاً أن طبيعة البنى القيادية الحزبية الحالية تسمح لهم بمثل هذا الدور، فهم أصحاب القرار داخل الفرقة أو الشعبة.

ما سبق سمح للمال السياسي بلعب دور كبير في تقدم البعض ووصولهم إلى المجلس.

تجربة الاستئناس حصرت العملية في أيدي الحزبيين المنخرطين بالعمل الحزبي، ولم تسمح لباقي الشرائح البعثية بأخذ دورها في هذه العملية على مستوى الترشح.

لم تستطع هذه التجربة أن تحد بالشكل المطلوب من حالة التواكل التي تنشأ بين المرشح والحزب، إذ إن المرشح يعمل على الوصول إلى قائمة الجبهة، وعند الوصول يتواكل على الجهاز الحزبي لإنجاحه في الانتخابات.

بعد وصول المرشح إلى المجلس ينقطع تماماً عن القاعدة الاجتماعية، ويصبح أي ترهل أو تراجع في عمل المجلس هو مسؤولية الحزب الذي أوصل هكذا أعضاء.

قد لا تنحصر السلبيات فيما سبق فقط، وإنما لا بد من أن هناك سلبيات أخرى من الممكن أن البعض قد لحظها خلال عملية الاستئناس الحزبي السابقة، وبغض النظر عن كل ما سبق فإن المطلوب اليوم هو تطوير تجربة الاستئناس لتصبح أعم وأشمل، وهذا سيسهم في تلافي الكثير من السلبيات السابقة، لذلك كان من المتوقع إقرار آلية جديدة لاختيار الحزب مرشحيه لخوض انتخابات مجلس الشعب، على أن تلحظ الآلية الجديدة أمرين أساسيين:

الأول: نقل عملية الترشح من الدائرة الحزبية المغلقة، إلى الدائرة الاجتماعية الأوسع للحزب، على أن تكون مهمة البنى الحزبية الحالية تنظيم العملية وإدارتها.

ثانياً: أن تركز الآلية الجديدة على خلق حالة ذات تفاعل اجتماعي كبير مع العملية الانتخابية، من خلال تعويم شخصيات اجتماعية محددة وإعطائهم دوراً أكبر في الحياة الاجتماعية والسياسية.

ما سبق يفترض أن تهدف الآلية الجديدة إعطاء دور أوسع وأكبر للمجتمع البعثي في اختيار مرشحيه لعضوية مجلس الشعب، من خلال اشتراط الحزب على مرشحيه الحصول على تأييد خطي من مئة شخصية اجتماعية بعثية من الدائرة الانتخابية الأضيق التي سيرشح نفسه عنها، أي دائرة قيده المدني، علماً أن تحديد عدد المؤيدين الخطيين المرشح بشكل دقيق يعتمد على عدد تلك الشخصيات في الدائرة الانتخابية وعدد أعضاء المجلس عن تلك الدائرة.

وهنا يبرز سؤال من هؤلاء الأشخاص الذين سيعطون المرشح تأييدهم، ويمكن هنا حصرهم كتجربة أولى في الآتي: مديرو المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية العامة والصناعية والتجارية والشرعية، رؤساء الجمعيات الفلاحية، أعضاء المكاتب التنفيذية للاتحادات والنقابات الرئيسية والفرعية، رؤساء الوحدات الإدارية وأعضاء مكاتبها التنفيذية، أعضاء مجالس المدن والمحافظات، مخاتير القرى والبلدات والأحياء، أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات السورية، أئمة المساجد، رؤساء الجمعيات الخيرية، الضباط المتقاعدون برتبة قائد، أمناء الفرق والشعب والفروع الحزبية وأعضاء قيادات الفروع.

على أن يحق لكل شخص من تلك الشخصيات إعطاء تأييده الخطي لثلاثة مرشحين على الأكثر ومرشح واحد على الأقل، علماً أن تحديد العدد يعتمد على تحقيق نسبة وتناسب بين عدد أعضاء مجلس الشعب عن تلك الدائرة الانتخابية وعدد الشخصيات البعثة التي يحق لها إعطاء التأييد الخطي للمرشحين في الدائرة الانتخابية، على أن يكون المؤيد والمرشح من الدائرة الانتخابية نفسها.

ووفق الآلية فإن أوراق التأييد الخطية تقدم مرفقة بورقة تثبت هوية المؤيد ووظيفته إلى فرقته الحزبية، إذا كان تنظيمه الحزبي في نفس دائرته الانتخابية، أو إلى فرع الحزب في المحافظة إذا كان تنظيمه الحزبي في دائرة انتخابية أخرى، خلال مدة زمنية محددة بـ15 يوماً، ابتداءً من اليوم التالي لإعلان قبول الترشيحات إلى مجلس الشعب، على أن تقع مهمة إقناع المؤيد على عاتق المرشح، وتقع مهمة تنظيم العملية على الجهاز الحزبي بمختلف مستوياته.

ومن المفترض أن تؤمن هذه الآلية انخراط اجتماعي كبير في العملية الانتخابية، وأن تنقل المسؤولية في اختيار المرشحين من على عاتق الجهاز الحزبي بحيث تكون مهمته تنظيمية وتوجيهية، وتضعها على عاتق الشخصيات الاجتماعية والتمثيلية البارزة وذات التأثير في بيئتها المحلية، وهنا تصبح مهمة الجهاز الحزبي كداعم اجتماعي لمرشح أفضل.

من المفترض أن تدفع هذه العملية المرشحين عموماً ومن سيصل منهم إلى مجلس الشعب لاحقاً، إلى الاستمرار في خلق حالة تفاعل بين كل مرشح وبين المجتمع من خلال مؤيديه، حيث سيكون مضطراً للقاء بهم بشكل مستمر ونقل مطالب وهموم شرائحهم والمجتمع المحلي الذي يمثلونه إلى مجلس الشعب.

وقد ينتج عن هذه الآلية عدد أكبر من المرشحين من العدد المخصص لقائمة البعث في تلك الدائرة الانتخابية، وهنا يترك الأمر للقيادة للاختيار بينهم بما يراعي تمثيل مختلف الشرائح.

السبت الفائت أعلنت القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي شروط الترشح ضمن قائمة البعث لخوض انتخابات مجلس الشعب وآلية اختيار المرشحين وفق الاستئناس الحزبي.

إن الشروط المفروضة للترشح باسم البعث، مهمة وضرورية، رغم أنها لم تلحظ مسألة وجود عنصري الشباب والإناث في قوائم المرشحين، ولا بد أن هذا الأمر سيتم النظر إليه سواء خلال عملية الاستئناس التي ستشرف عليها اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات ولجان الإشراف الفرعية في المحافظات، أو من خلال إعادة النظر بقرار القيادة، وهذه حالة مهمة لتكريس مفهوم التشاور والاعتراض، اعتمدتها القيادة المركزية قبيل الاجتماع الموسع لانتخاب اللجنة المركزية للحزب، إذ فتحت باب الاعتراض وتلقي المقترحات حول قرارها المتضمن برنامج الاجتماع ومعايير الترشح، ومن ثم اتخذت قراراً جديداً بهذا الشأن تضمن تعديلات جوهرية عن القرار الأول، من أهمها إلغاء معايير الترشح وفتح الباب للجميع.

مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، لا بد من الإشارة إلى أن التغيير الأكثر تأثيراً، يرتبط بمساحات المشاركة السياسية، وليس في الآليات فقط، فمثلاً قرار أن يكون أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس من العمال والفلاحين لم يعد ينسجم بشكل كبير مع الواقع، إذ إن انتماء الفرد إلى طبقة معينة لم يعد يرتبط بنوع عمله أو بامتلاكه سجلاً تجارياً أو صناعياً، فتنظيم الحياة الاقتصادية في سورية وفي بلدان العالم عموماً يقتضي إنشاء سجل تجاري أو صناعي، وهذا لا يعني أنهم تجار أو صناعيون كبار، وكذلك باتت كبرى العائلات تستثمر في القطاع الزراعي، أي اختلف مفهوم الفلاح والعامل والتاجر والصناعي، ولا يمكن وضع جميع من يعمل في الزراعة في خانة الفلاح، ولا جميع من يملك سجلاً تجارياً في خانة التاجر.

أخيراً، ما تحتاجه سورية لخلق حراك سياسي حقيقي، هو نهوض قوى سياسية جديدة إلى جانب البعث، بحيث تكون قادرة على التعبير عن نفسها في ساحات المنافسة الوطنية، وفي مقدمتها الاستحقاقات الانتخابية.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن