قضايا وآراء

صواريخ رفح والأسرى الجدد.. نتنياهو يعيش الأسبوع الأقسى

| علي عدنان إبراهيم

لم تخلُ الأيام الماضية من أنباء لا بد أن كيان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اهتز لها جميعها، وأظهرت له كل على حدة، حجم المصيبة التي أوقع نفسه فيها ومن خلفه الكيان الأكبر صاحب الـ76 عاماً الذي إن تمكن من عبور هذا المنعطف التاريخي فلن يخرج منه حتماً كسابق عهده وكما كان يُنظر إليه قبل السابع من تشرين الأول الماضي.

الجنائية الدولية تلقت طلباً رسمياً مدعماً بالأدلة من المدعي العام كريم خان لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب وإبادة ضد الفلسطينيين في غزة، وقال في طلبه المقدم يوم 20 أيار الجاري: «استناداً إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد أن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين اعتباراً من الثامن من تشرين الأول 2023 على الأقل»، ورغم عدم انضمام كيان الاحتلال للجنائية الدولية بالأساس، وعلى الرغم أيضاً من مطالبة المدعي العام باستصدار أوامر مشابهة بحق قادة المقاومة الفلسطينية، فإن تحولاً دولياً كهذا يساهم في حصار نتنياهو وعزلته الدولية، وما تبع هذا الطلب من إعلان كل من إيرلندا وإسبانيا والنرويج معاً نيتهم الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين ودعم كل الجهود الممكنة لتصبح هذه الدولة عضواً كاملاً في الأمم المتحدة ما يسهم في مسار حل الدولتين الذي يرفضه نتنياهو وحكومته المتطرفة، ما يدل على تغيّر العقلية الأوروبية إزاء القضية الفلسطينية كما رآها وزير خارجية النرويج إسبن بارث إيدي، الذي قال قبل ساعات فقط من الاعتراف الرسمي: «سنعترف بالدولة الفلسطينية، لأن هذا هو الوقت المناسب لذلك، فهناك دائرة عنف مستمرة في غزة والضفة الغربية وإنهاؤها يكون بإقامة دولة فلسطينية».

أيام قليلة تبعت إعلان الدول الأوروبية الثلاث، لتعلن منظمة «مراسلون بلا حدود» تقدمها بشكوى ثالثة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم ارتكبت في حق ما لا يقل عن تسعة مراسلين فلسطينيين بين الخامس عشر من كانون الأول 2023 و20 أيار 2024، حسب الشكوى التي قدمتها، الأمر الذي يزيد الضغط الدبلوماسي على حكومة نتنياهو التي فشلت بشكل كامل في إدارة أي شيء، وذلك باعتراف صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية التي تضمنت افتتاحيتها الأخيرة أن «إسرائيل وجدت حالياً أن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أصبح عبئاً عليها، وهجومه على غزة يبدو متعثراً بأهداف رئيسة لم تتحقق، ووعده بالنصر الكامل أصبح بعيد المنال»، مؤكدة الحاجة إلى حكومة جديدة مقبولة دولياً وقادرة على وقف هذه الحرب والجنوح للسلم.

الضغوط الدبلوماسية الدولية على نتنياهو ترافقت بحدثين على غاية كبيرة من الأهمية في غزة، أولهما إعلان المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة تنفيذ عملية نوعية في مخيم جباليا نتج عنها إضافة لقتل عدد من جنود الاحتلال، وللمرة الأولى خلال هذه الحرب أسر جنود إسرائيليين لإضافتهم إلى قائمة الأسرى الذين يضغط «الشارع الإسرائيلي» على نتنياهو لاستراجاعهم، وعلى الرغم من تكذيب «الحكومة الإسرائيلية» لهذا الإعلان فإن تأكيد أبو عبيدة في نهاية الفيديو بأن «هذا ما سمح بنشره، وللحديث بقية» يعطي انطباعاً عن حجم المفاجأة التي ستمررها المقاومة للإسرائيليين خلال الأيام القادمة، حيث باتت الحرب رقعة شطرنج وتحريك القطع فيها يأتي بعد تفكير عميق وفي لحظات إستراتيجية لجعل التأثير في أوجه، كما هو الحال بالنسبة للصواريخ التي فاجأت العالم أجمع وليس إسرائيل وحدها حين خرجت من رفح لتصل مستوطنة تل أبيب وتخرق الدفاعات الجوية وتسقط في عدة مناطق وتجرح مستوطناً واحداً على الأقل، وما لهذه الصواريخ من رسائل يمكن ترتيبها على الشكل التالي، أولها أن الصواريخ انطلقت على بعد أمتار من تمركز قوات الاحتلال وهذا يعني أن وجودهم في قطاع غزة لن ينهي المقاومة مهما طال وهنا يسقط هدفان رئيسيان وضعهما نتنياهو عند إعلانه الحرب، هما القضاء على المقاومة نهائياً ووقف إطلاق الصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي، وأن إطلاق الصواريخ ممكن في أي لحظة تراها قيادة المقاومة ضرورية ومفيدة استراتيجياً، وخاصة مع الحديث عن الذهاب لاستئناف المفاوضات نهاية الأسبوع الجاري، ولذلك كان التوضيح ضرورياً أن المقاومة غير منهكة وبإمكانها الاستمرار طويلاً في حربها وأن المفاوضات إن اكتملت فإنها لن تكون مشروطة إسرائيلياً بل ستكون بعناوين رئيسية يتم التوافق عليها وستخرج منها المقاومة منتصرة بالنظر إلى حجم قوة العدو وسلة أهدافه غير المتحققة، وآخرها ما أظهرته مقاطع الفيديو القادمة من مكان انطلاق الصواريخ أي قطاع غزة ومكان سقوطها أي «إسرائيل»، ففي الأولى تعلو أصوات البهجة رغم الدمار، وفي الثانية يظهر الرعب والخوف المترافق بدوي صافرات الإنذار التي انطلقت في تل أبيب للمرة الأولى منذ 4 أشهر، أي إن حرباً طويلة خسرت إسرائيل فيها الكثير لم تغير شيئاً لمصلحتها في المعادلة.

كل هذه الضغوط الدبلوماسية والميدانية التي هبطت على رأس نتنياهو في الأسبوع الأخير فقط انتقم منها بقصف مخيم للنازحين في رفح قرب مستودعات تابعة لـ«أونروا» ما أدى لاندلاع حريق واسع أسفر عن وفاة نحو 40 شخصاً معظمهم نساء وأطفال حرقاً، الأمر الذي استوجب تنديداً دولياً من المرجح أن يضيق الخناق أكثر على حكومة نتنياهو ويقودها ربما لأزمات داخلية أكثر حدة مما سبق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن