الحج.. والدولار!
| فراس عزيز ديب
عادت قوافل حجاج بيت اللـه الحرام لتعبر طريق الشام باتجاه الديار المقدسة، فعادت معها ابتسامة من كانوا يحلمون بأن يستطيعوا إليه سبيلاً، القصة هنا وبعدَ غياب لأكثر من عشر سنوات ليست مرتبطة فقط بفكرة أداء شعائرَ دينية، نحن نتحدث عن كل ما هو مرتبط بهذا الحدث، نبدأ مثلاً من عودةِ الجرح العربي للالتئام وما يعنيهِ لكل مؤمنٍ بعروبته عودة العلاقات السورية- السعودية إلى المكان الذي لا نريدها أن تغادره، والتي تكللت بعودة سفارة المملكة العربية السعودية في دمشق إلى العمل من جديد.
هذهِ الصور الجميلة أيضاً عادت بنا سنوات طويلة إلى الوراء عندما كانت شوارع حلب وكل المدن السورية تتزين بانتظار وصول حجاج بيت الله، تحديداً بعمر الطفولة عندما يكون الحاج هو قريباً مباشراً أو جاراً عزيزاً فإن المهام هنا كانت مضاعفة، لأن المساعدة في عملية التزيين والاستقبال والضيافة تعني إمكانية مضاعفة للحصول على «الراحة بالفستق» التي كانت توزع فرحاً بعودة الحجاج، هذه الذكريات وغيرها الكثير، تجعلنا فعلياً نعود لفكرة الحنين على مبدأ وإن أعادوا إلينا جمالية الحدث، لكن من يعيد إلينا من رحلوا؟
لكن في المقابل وكما كل الأحداث في زمن الحرب وعصر وسائل التواصل الاجتماعي لابدَّ من بعضِ المنغصات، تحديداً تلك التي لا تجعلنا نميز بين فكرة الانتقاد الراقي واجترارَ أفكار لا معنى لها، فانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار جعل تكلفة الحج قياساً بالليرة السورية تبدو بأرقام فلكية، علماً أن إرجاع التكلفة إلى الدولار يجعل التكلفة عادية للمقتدر على تلبيتها ما دامت تتضمن نفقات السفر والإقامة والرسوم، هنا ستقرأ بعض التعليقات التي تتساءل:
لماذا لا يتم استبدال تكلفة هذهِ الفريضة بإطعامِ المساكين والفقراء أو مساعدة المهجّرين؟
جوابي هنا لمن يطرح هذهِ المقاربة السخيفة:
طيب وما أدراك ما فعلهُ هؤلاء من عطايا للفقراء؟ هل يجب على كل ساعٍ إلى بيت اللـه أن يقدم لمندوبي مواقع التواصل الاجتماعي نبذة عن أعمال الخير التي يقوم بها ليحصل على موافقة «فيسبوكية» على الحج؟
متى سنكف عن اعتبار أنفسنا أوصياء على تصرفات الآخرين، ومن نحن أساساً؟
في الخلاصة: تقتضي الموضوعية أن نرفض مقاربات كهذه تماماً كما رفضنا خزعبلات أولئك الذين يظنون أن اللـه لم يهدِ سواهم عندما يوزعون صكوكَ الغفران، ولنكف عن اختصار الآراء بما نعتقد.
حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً لكل ساعٍ حباً بالله، وأدام اللـه ابتسامة من حالفهم الحظ هذا العام على الأقل، لأن هذهِ الابتسامة هي جزء من ذكريات سورية التي نحب.