إنفاق الفرد صحياً في سورية أقل من 100 دولار سنوياً.. بينما في فرنسا 5 آلاف دولار … نقيب الأطباء لـ«الوطن»: الإنفاق الصحي في سورية لا يتجاوز 4 بالمئة من الدخل القومي
| محمد منار حميجو
كشف نقيب الأطباء غسان فندي عن أن نسبة الإنفاق الصحي في سورية لا تتجاوز 4 بالمئة من الدخل القومي، معتقداً أن قيمة الإنفاق أقل من 100 دولار للفرد في السنة، على حين يشكل الإنفاق الصحي في الدول الصناعية ما قيمته بين 8 إلى 14 بالمئة من الدخل القومي، موضحاً أن الإنفاق في الولايات المتحدة للفرد ارتفع إلى 7.221 دولاراً في العام الماضي بعدما كان 3500 دولار في عام 1990، وفي فرنسا كان في 1990 نحو 2045 واليوم يتجاوز 5 آلاف دولار.
وفي لقاء خص به «الوطن» أضاف فندي: إنه من المعروف أن الإنفاق على الصحة تحدده القدرة المالية للمجتمع، هذا إذا تم إنفاق هذه الموارد في مجالها الصحيح وبكفاءة عالية ومن دون هدر أو تسيب.
ورداً على سؤال كيف يتم تمويل أو تغطية تكاليف الخدمات الصحية في سورية، أوضح فندي أن تمويل الخدمات الصحية من ثلاثة مصادر وهي خزانة الدولة، صاحب العمل أو مقدم الخدمة، المستفيدون من الخدمة، مضيفاً: بالإمعان في هذه المصادر نجد أن أصلها واحد وهو المواطن وهذا المفهوم يصحح مقولة «إن المواطن يعالج على نفقة الدولة».
تحديات الواقع الصحي
ورداً على سؤال التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في سورية، أشار فندي إلى التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في سورية نتيجة الحرب الظالمة وما تمر به سورية من أزمة اقتصادية وتضخم نتيجة ارتفاع سعر الصرف، وهجرة جزء من الكادر الطبي نتيجة الظروف التي مرت بها سورية جراء الحرب الغاشمة التي شنت عليها والحصار الاقتصادي، وتدمير البنى الصحية نتيجة للأعمال الإرهابية.
ولفت إلى أن من التحديات التي يواجهها القطاع الصحي تباين العمل والأنشطة في الوزارات المعنية بالصحة لعدم وجود التناغم والتنسيق اللازم فيما بينهم، ولوجود عدة رؤى، مؤكداً أنه يمكن للنقابات الطبية أن تأخذ دوراً أكثر تأثيراً وفاعلية، والاستعانة بالمستشارين المتخصصين لتطوير العمل والمساهمة بصنع القرار وتحسين الواقع الصحي.
وبيّن أن هناك تحديات تواجه القطاع الصحي في العالم وهي موجودة أيضاً في سورية مثل ارتفاع تكاليف الوسائل التشخيصية والعلاجية، والزيادة السكانية وما يتطلبه ذلك من زيادة في الخدمات الصحية، وارتفاع متوسط الأعمار نتيجة لتطور الخدمات الصحية والاقتصادية أي ازدياد عدد المسنين المحتاجين لرعاية صحية، قد تصل كلفتها لخمسة أضعاف التكلفة لمن هم دون الستين من العمر.
رفع شعار الإصلاح
وعن كيفية تحسين الواقع الصحي في سورية قال فندي: الحقيقة أن التحديات والضغوط من جراء زيادة التكاليف التي يواجهها القطاع الصحي بالعالم تفرض رفع شعار الإصلاح الصحي والتغيير الشامل للسياسات الصحية، فالدول التي نجحت في الإصلاح الصحي هي دول بنت سياستها على الدراسة والواقع ووضعت خطط وإستراتيجيات طويلة الأمد للسياسات الصحية، مضيفاً: أما الدول التي فشلت في الإصلاح فقد لجأت للحلول المؤقتة أو التغييرات السطحية والعشوائية في تنظيم الخدمات الصحية ومتابعتها ومراقبتها.
وأشار إلى أنه في سورية يواجه القطاع الصحي المزيد من التحديات التي تم ذكر بعضها، إضافة للنقص في الموارد المتاحة جراء ارتفاع الكلفة الاقتصادية للخدمات الصحية وضمان تحقيق العدالة في توزيعها، مضيفاً: نحتاج إلى إعادة الهيكلية المؤسساتية والتطوير الإداري وضبط الجودة وإجراء البحوث الطبية للمساهمة في حل المشاكل الصحية القائمة، وتوفير التمويل المادي وتعزيز التنسيق بين الوزارات والجهات المعنية بالقطاع الصحي عبر إستراتيجيات تحقق جدوى قصيرة المدى وطويلة المدى.
إستراتيجيات
وحول الإستراتيجيات المتبعة عالمياً للإصلاح الصحي، بيّن فندي أنها تختلف من دولة لأخرى إلا أنها محكومة ببعض المبادئ الأساسية، أهمها تحول الدولة متمثلة بوزارة الصحة إلى وضع السياسة الصحية بالتشارك مع مقدمي الخدمات الصحية، وتقديم الرعاية الصحية الأولية ونشر الوعي والتثقيف الصحي وتنظيم ومراقبة جودة الخدمات الصحية والممارسة.
ورداً على سؤال حول الأولويات في الإصلاح الصحي في سورية، شدد فندي على ضرورة إعادة دراسة دور الوزارة والمتمثل حالياً بالممول والمالك والمدير للمؤسسات الطبية والعلاجية، حيث إن انشغالها بهذه الأمور يؤدي إلى نقص الجودة وهدر الموارد وعدم رضا المستفيدين من الخدمة، علماً أن الدور العلاجي يصرف وزارة الصحة عن مهامها الرئيسة المتمثلة في الرعاية الصحية الأولية والتنظيم والرقابة، لافتاً أيضاً إلى أهمية التأمين الصحي ليشمل جميع المواطنين وفقاً لأسس تقر حسب طبيعة التغطية والجهة الدافعة سواء المواطن أم رب العمل أو خزانة الدولة لبعض المواطنين وذوي الاحتياجات الخاصة والشرائح التي لا تستطيع المساهمة، إضافة إلى إقرار سياسات وإستراتيجيات طويلة المدى مبنية على دراسة الأولويات ومصادر التمويل.
ولفت فندي إلى أن من أولويات الإصلاح في القطاع الصحي اختيار نظم التأمين من المواطن لا أن تفرض عليه، وتحديد الأولويات في الخدمات الصحية المقدمة، إضافة إلى أهمية ترشيد بناء واستخدام المستشفيات حيث تصل كلفة المشافي إلى نحو 70 إلى 80 بالمئة من التكلفة الصحية، في الوقت الذي لا تخدم أسرتها العدد المطلوب من المواطنين، والتوجه إلى نظم العيادات الخارجية والرعاية المنزلية.
وأضاف: ضرورة ترشيد استهلاك الأدوية والفحوص المخبرية والشعاعية إلى الحد الضروري، حيث ثبت بالدراسات أن زيادتها تضر المريض والنظام الصحي، وتوحيد مصادر العلاج وإيجاد ترابط بين المشافي والعيادات التخصصية، إضافة إلى توحيد النظم المالية والإدارية، موضحاً أن هنالك مشافي مأجورة وأخرى مجانية ومشافي تعليمية وأخرى خدمية وغيرها، لذا تجب مقاربة نظمها لتحسين الجودة بما يضمن الحد الأدنى من المعايير، وليس المقصود إتباعها لوزارة الصحة بل أن تعمل في إطار تنسيقي واحد., ولفت إلى أهمية تطوير نظم التأمين الصحي العامة والخاصة ومراقبتها والحد من تقديم الخدمات مباشرة من هيئات وشركات التأمين لكي لا تصبح موازية بأعمالها لوزارة الصحة، مشيراً إلى أهمية توحيد مصادر العلاج للمواطن حيث لا ينتقل بين مصادر العلاج طوعاً أو إجبارياً ويتحمل بذلك أعباء مالية.
إحياء الخطة الخمسية العاشرة
وتطرق فندي إلى الخطة الخمسية العاشرة التي عطلتها الحرب، مؤكداً أنها كانت خطة جيدة لو أتيح لها التنفيذ وأنه يمكن الاستفادة منها حالياً رغم اختلاف الظرف عن الوقت الذي وضعت فيه، موضحاً أن الأساس في الخطة هو إحداث تحول تدريجي في هيكلية وإدارة وتمويل القطاع الصحي، حيث يتم الفصل بين المهام الأساسية وهي تمويل الخدمات الصحية وتقديم الخدمات الصحية والإشراف عليها.
وأضاف: هنا سيكون دور الحكومة هو توفير بيئة مناسبة لزيادة الاستثمار في الصحة من القطاعين الخاص والأهلي، علماً أن الخطة تحدثت عن ستة محاور ترتبط مباشرة بالتأمين الصحي، وهي إحداث صندوق وطني لإدارة تمويل الخدمات الصحية، وتمويل الخدمات الصحية، وتحديد حقيبة الخدمات الأساسية للمواطن السوري، وتطوير نظم تعاقدية مع مقدمي الخدمات تعزز التنافسية، إضافة إلى إحداث شبكات أمان لحماية وتأمين الخدمات الصحية للشرائح الأقل دخلاً، وزيادة الموارد المالية للقطاع الصحي، إضافة إلى التحول التدريجي للتأمين الصحي, وأضاف فندي: أريد الإشارة إلى أن القطاع الصحي قد حقق نجاحات خلال العقود الأربعة الماضية في تحسين معدلات الحياة وانخفاض معدلات وفيات الأطفال والأمهات وارتفاع نسب التغطية باللقاحات، ويرجع ذلك لعوامل مساعدة في حينها منها ارتفاع مستوى المعيشة والوعي وتحسن البنية التحتية وزيادة التغطية بخدمات الرعاية الصحية الأولية والعلاجية وتوافر منظومة إسعاف وطوارئ وزيادة أعداد القوى البشرية العاملة في القطاع الصحي وتنوع تخصصاتها.