أبناء الأكذوبة ولحظة الحقيقة
| حسن م. يوسف
«الذين يروون القصص يحكمون المجتمع». قبل نحو ألفين وخمسمئة عام توصل الفيلسوف اليوناني أفلاطون لهذا الاستنتاج حول الدور الخطير الذي تلعبه السردية في هيمنة مجموعة ما على مجتمعها أو هيمنة مجتمع ما على غيره من المجتمعات. وقد نجح اليهود في التغلغل إلى مركز وعي العالم الغربي عندما دمجوا ما يسمى بالعهد القديم مع الإنجيل فيما يسمى الآن بالكتاب المقدس، وقد استفادت الحركة الصهيونية من هذا التغلغل في الوعي الغربي لإضفاء هالة من القداسة على مشروعها الاستعماري في فلسطين. فالصهاينة يسوقون أنفسهم على أنهم أبناء إبراهيم الذين وعدهم الرب بالأرض منكرين وجود فلسطين والشعب الفلسطيني، رغم أن (العهد القديم) ينص بشكل واضح على أن الأرض كان اسمها فلسطين قبل مجيء إبراهيم جد العرب واليهود إليها من مدينة أور في العراق. فقد جاء في سفر التكوين «وَتَغَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ فِي أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أياما كَثِيرَةً. « كما جاء في مكان آخر من السفر نفسه: «فَقَطَعَا مِيثَاقًا فِي بِئْرِ سَبْعٍ، ثُمَّ قَامَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ وَرَجَعَا إلى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ».
وقد برَّر الصهاينة مشروعهم الاستعماري في فلسطين زاعمين أن الرب قد وعد إبراهيم بها وقد جاء في سفر التكوين الإصحاح الثاني عشر الآية السابعة، ما يلي بالحرف الواحد «وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ» ولا يحتاج الأمر لكثير من الذكاء كي نكتشف أن الوعد موجه حصراً لنسل إبراهيم، أي لأبنائه المولودين من لحمه ودمه، وهذا يعني أن الوعد يشملنا نحن العرب أولاً، لأننا أولاد إسماعيل الابن الأكبر لإبراهيم، ولا يشمل أياً ممن يحكمون أرض فلسطين المقدسة الآن بالحديد والنار!
يؤكد المؤرخ البريطاني كيث وايت لام في كتابه المهم: (اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني) أن التنقيبات الأثرية تثبت أن: «إسرائيل هي مجرد كينونة قصيرة في سياق التاريخ الفلسطيني الطويل». وقد أكد هذا الاستنتاج المؤرخ الأميركي توماس طومسون في كتابه: (الماضي الخرافي، التوراة والتاريخ). كما اعترف به أبرز المؤرخين اليهود وبعضهم يعيشون داخل دولة الكيان.
أستطيع القول من خلال قراءاتي التي لا بأس بها، إن تاريخ الكيان السرطان هو سلسلة من الأكاذيب المبنية بدقة، فكل وزراء (إسرائيل) غيروا أسماءهم أو حرفوها كي يبدو الواحد منهم كما لو أنه من يهود فلسطين: فالبولوني بن غوريون كنيته الأصلية هي (غروين). والأوكراني موشيه شاريت كنيته الأصلية هي شرتوك، والأوكراني ليفي أشكول كنيته الأصلية هي شكلونيك. والأوكراني إيجال ألون كنيته الحقيقية بايكوفيتس، والأوكرانية غولدا مائير كنيتها الحقيقية هي مابوفيتش. والأوكراني إسحاق رابين الذي قتله صهيوني متطرف كنيته الحقيقية رابينوفيتش، أما إسحاق شامير الذي ينحدر من أب أوكراني وأم من بيلا روسيا، فكنيته الحقيقية هي يزرنيتسكي. والبولوني شمعون بيريز كنيته الحقيقية هي بيرسكي. أما كلب الجحيم أرئيل شارون مدبر مذبحة صبرا وشاتيلا، فوالده بولوني وأمه روسية وكنيته الحقيقية شاينرمان. حتى البولوني نتنياهو كنيته ميلكوفسكي وعندما هاجر والده إلى فلسطين غير كنيته إلى «نتنياهو» التي تعني «الله أعطى»!
وهكذا ترون أن كل رؤساء وزراء الكيان السرطان أوروبيون، لكنهم غيروا أسماءهم كي يحملوا الناس على الاعتقاد بأنهم من هذه المنطقة وأن الأرض لهم. لكن ها هي بطولات شعبنا، في غزة وفي كل كل مكان، ترتقي بالعالم إلى لحظة الحقيقة والتحرر من السردية الصهيونية. ها هو العالم برمته يهتف (فيفا بالاستينا) تحيا فلسطين، وفلسطين تحيا الآن حقاً رغم خذلان بعض الأخوة وسموم الأعداء!