الصوفية ظاهرة مستمرة في الأعمال السورية
| مايا سلامي
لطالما سلطت الدراما السورية الضوء على الكثير من القضايا والجوانب الحياتية الاجتماعية والسياسية والدينية، مخلفة في بعض الأماكن طروحات وأهداف بعيدة التأثير لغرسها وتوطيدها بصورة أكبر في المجتمع.
ونظراً لما عانته مجتمعاتنا العربية من توجهات دينية ظلامية متطرفة خلال السنوات الأخيرة، لم تقف أعمالنا على الحياد بصمت بل شرعت أن تكون كسلاح يحارب في الجبهة المعاكسة وتنشر مفاهيم التآخي والحب والسلام، فوجدت في الصوفية ضالتها وبدأت بتقديمها في عدة مسلسلات عرّفت بأبرز شخصياتها وعلمائها بهدف ترسيخ قيمهم الأخلاقية البعيدة عن خطاب التشدد والكراهية، وسارت منذ عام 2019 بحملة دقيقة ومدروسة لتمرير رسائل الصوفية بجرعات متفاوتة لم تتوقف حتى يومنا هذا.
بدايات الظاهرة
ترجع بدايات هذه الظاهرة إلى إنتاج مسلسلي «مقامات العشق» و«العاشق- صراع الجواري» اللذين جاءا في إطار الدراما العربية المشتركة وقدما سيرة علمين من كبار أعلام الصوفية.
حيث تناول مسلسل «مقامات العشق» تأليف محمد البطوش وإخراج أحمد إبراهيم أحمد حياة الشيخ محي الدين بن عربي والصعوبات والحروب التي واجهته في مسيرته من التيار المتشدد، وحمل العمل جرعة عالية من الروحانية وقدمت فيه أهم قصائد ابن عربي التي كتبها في حب الله، كما أبدعت الفنانة السورية سارة فرح بإنشادها وشارة العمل التي كانت قصيدته الأشهر «أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه».
ووثق هذا العمل الكثير من الحقائق التاريخية والصراعات التي نشأت بين الفلاسفة المتشددين والمعتدلين وكيفية حرقهم لمؤلفات ابن رشد بعد اتهامه بالكفر، ونوه إلى نقطة مفصلية ومهمة وهي كيف أن هذا التطرف لطالما كان دخيلاً على العرب ومدفوعاً من جهات أجنبية لإضعاف الدول الإسلامية التي كانت في عز قوتها وجبروتها.
أما مسلسل» العاشق- صراع الجواري» فقد تناول سيرة المتصوف الحسين بن منصور الحلاج الذي جسد شخصيته الفنان القدير غسان مسعود في إطار تاريخي تخيلي بدأت حكايته في العصر الثاني للخلافة العباسية وما شهدته تلك الفترة من اضطرابات وفوضى في البلاد، أثرت على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو من تأليف أحمد المغربي، وإخراج علي محي الدين علي.
ترجمان الأشواق
على صعيد الإنتاج المحلي عرض مسلسل «ترجمان الأشواق» تأليف بشار عباس، إخراج محمد عبد العزيز في عام 2019 وقدم قصة ثلاثة أصدقاء اعتنقوا الفكر اليساري وتفرقت بهم مسارات الحياة، فاعتنق أحدهم الفكر الصوفي، وحافظ الثاني على مبادئه اليسارية مما جلب له المتاعب، وهاجر الثالث خارج سورية ليعود إليها بعد اندلاع الحرب للبحث عن ابنته المفقودة.
وتجلت الحالة الصوفية في هذا العمل من خلال الشخصية «زهير» التي جسدها الفنان غسان مسعود وهو رجل صوفي يعتنق هذا المذهب بحثاً عن السلام ويؤمن أنه بالحب يمكن أن تحل الكثير من المشاكل الحياتية، ويمثل دوره جسراً لتلاقي الشخصيات المختلفة فهو يؤمن أيضاً أنه بداخل كل إنسان بذرة خير ستنبت يوماً ما الحب والسلام.
كما اقتبس اسم العمل من عنوان ديوان شعري للشيخ محي الدين بن عربي «ترجمان الأشواق» الذي ألفه لمدح نظام بنت رستم الأصفهاني حين التقاها في مكة.
الظاهرة حديثاً
وإذا ما أردنا الحديث عن ظاهرة التصوف في الدراما حديثاً فسنجدها تجلت في بعض الأعمال التي صدرت مؤخراً وأبرزها مسلسل «العربجي» تأليف مؤيد النابلسي وعثمان جحى وإخراج سيف السبيعي، الذي تطرق لهذه الظاهرة من خلال شخصية عبد الرحمن قويدر «الشيخ كرمو» ومريديه من الدراويش الذين مثلوا جانب الخير والسلام في العمل بعيداً عن دموية الأحداث والانتقامات التي شهدها فكانوا الوحيدين الذين يدعون إلى نشر الحب ووقف القتال وشكل مقرهم ملاذاً آمناً لكل نفس بريئة، كما حملت حواراتهم الكثير من شعارات ورسائل الصوفية.
وفي مسلسل «ولاد بديعة» تأليف علي وجيه، ويامن الحجلي وإخراج رشا شربتجي كانت الصوفية حاضرة بشخصية «الشيخ نذير» التي جسدها زهير درويش من خلال أحاديثه التي دعا فيها إلى النظر في جوهر الإنسان بغض النظر عن مظهره وتصرفاته ومحاولته استقطاب الجميع في مسجده على اختلاف ذنوبهم وخطاياهم في محاولة منه لإنبات بذرة الخير الكامنة في قلوبهم.
كما صور العمل جرعة عالية من الروحانية في حلقة المولد النبوي الذي أقيم في مقام الأربعين وحمل الكثير من رسائل التصوف، حيث اجتمع الخصوم في مكان واحد على حب اللـه تاركين خلافاتهم جانباً في مشهد أشبه بلوحة جميلة زينت بقيم الحب والتسامح.