فنان مسرحي فلسطيني يقدم عرضه «بأم عيني» في دمشق … غنام غنام لـ«الوطن»: وجودي اليوم في سورية يشبه استعادة الإحساس بنبضات القلب ومسرور جداً بعودتي بعد 15 عاماً
| مصعب أيوب – تصوير – طارق السعدوني
من بقعة جغرافية ليست بعيدة جاء إلى دمشق يحمل على عاتقه الهم الفلسطيني ومسؤولية توثيق الكثير من المعاناة والهموم اليومية، بعد أن جال بأعماله العديد من البلدان العربية، وعبر عن فلسفة الحياة والوجود من خلال خشبة المسرح، وبعد وقوفه عليها صدح بآرائه وتطلعاته مقدماً نفسه بطرح بسيط خفيف بعيد عن الاستعراض، وأصر بشكل واضح على ألا يشبه أحداً ويتفرد في مملكته، هو من أسياد المسرح في فلسطين ويؤمن بأن بناء المجتمع منبعه التسلح بالثقافة، ولاسيما أنه تعامل مع المسرح بكل حب وجمال، واليوم عندما حلّ ضيفاً على دمشق بدعوة من وزارة الثقافة لتقديم عرضه المسرحي «بأم عيني» المقرر تقديمه اليوم على خشبة مسرح فواز الساجر في المعهد العالي للفنون المسرحية، التقت «الوطن» الفنان المسرحي الفلسطيني غنام غنام وأجرت معه الحوار التالي:
• في البداية أهلاً وسهلاً بك في دمشق، متى آخر مرة زرتها وماذا يعني لك وجودك في الشام اليوم بعد انقطاع طويل؟
مضى على آخر زيارة لي إلى دمشق 15 عاماً عندما كنت مشاركاً في لجنة تحكيم في الرقة وقدمت مسرحية يا مسافر وحدك، ووجودي في سورية اليوم يشبه استعادة الإحساس بنبض القلب، أنا سوري بالمعنى الكبير، أنا آرامي وفينيقي وكنعاني، فهذه الجذور الحضارية تدافع عن هويتي وتعطيني حقي كفلسطيني، وفلسطين هي الضلع الجنوبي الغربي لبلاد الشام وليست دولة منفصلة، وتقسيمات سايكس بيكو لا تعنينا ولا نعترف بها، ففلسطين جزء من جسد كامل.
• سورية وفلسطين روح واحدة في جسدين منفصلين، كيف تجد ذلك اليوم؟
هناك مستويان فيما يخص هذا الجانب، مستوى شعبي ومستوى رسمي، وحقيقة هناك الكثير من الأنظمة بعيدة عن فلسطين وربما تعمل عكس مصلحتها، ولكن الأمر مختلف في سورية، فهناك انسجام تام على المستويين الرسمي والشعبي بين سورية وفلسطين وهو أمر ليس آنياً أو حالة انتهاز فرصة سياسية، وفي الوقت الذي كانت فيه فلسطين مهمشة من كثير من الدول كانت محتضنة في سورية.
• يبدو جلياً إعجابك بأدب غسان كنفاني، ما السر في تبنيك رواياته وأفكاره؟ وما الذي جذبك إلى ذلك؟
أنا نشأت في بيت قوميين عرب وبالتالي غسان كنفاني كان جزءاً منهم، وصحيت على أن أكون ابن الجبهة الشعبية وأن أفتح عيني على مجلة الهدف التي كان يرأس تحريرها غسان كنفاني، وأنا كنت أبيعها وكنت مواظباً على قراءة غسان أولاً بأول وبالتالي بات لدي نموذج، وأنا سميت أول أبنائي غسان وأول عمل هممت بإخراجه هو «ما تبقى لكم» لغسان كنفاني إلا أنه منع من العرض، وأنا أعد نفسي ممن يفهمون غسان جيداً ويمكنني تقديم أطروحة حوله، وأنا كتبت القصة القصيرة تيمناً بغسان وحاولت الاقتراب كثيراً من لغته العجيبة البسيطة والعميقة.
• كيف يمكن توظيف جماليات المسرح لخدمة القضية والمقاومة؟
المسرح أساساً التزام، وإن كان يضحكنا ويسلينا فهو ملتزم بنا كبشر وملتزم بقيمنا وحياتنا ليعطينا فسحة جديدة للرؤية، وهو يفتح لنا نافذة موجودة لكننا لا نراها، ويكشف لنا موضوعاً من بدايته بطريقة مرتبة ومنمقة بعد أن يجمعها من داخلنا، وأينما كان المسرح فهو يدافع عن قيم الخير والحق والعدالة، وبمعادلة بسيطة هذه القيم تساوي فلسطين، فقدم سعد اللـه ونوس «الاغتصاب» التي ألفها كاتب أرجنتيني ولكن الجميع يحسبها لفلسطين ولاسيما من خلال القيم التي كانت تحملها.
ولا بد من الاهتمام بالجماليات وليس الشكليات، فهناك جماليات تحدث نتيجة احتكاك أو شرارة ما تخرج حالة من الدهشة التي ليس بالضرورة أن تتجلى في ديكور ضخم وإضاءة مبهرة ومؤثرات صوتية صاخبة.
• كيف ترى واقع المسرح العربي اليوم؟
صراحةً، أنا أرى حال المسرح بشكل جيد، وهذا عكس ما يروجه البعض، فهناك في كل بلد عربي نحو 5 مخرجين مسرحيين مهمين وهو ما يعني قرابة المئة مسرحي مهم عربياً وهو ما ليس موجوداً لدى الغرب، وبالتالي فنحن بواقع مسرحي جيد، ولدينا إبداعات مهمة جداً وتنافس على مستوى دولي، ولدينا كتّاب ومخرجون وصلوا بفنهم للعالم كله، ولكن تكمن المشكلة في غياب إستراتيجيات ثقافية لدى الجهات المسؤولة، فلا توجد جهة حكومة تصرّح بأن لديها إستراتيجية ثقافية لخمس سنوات، وإنما يتجلى المشهد الثقافي المؤسساتي في المناسبات، ودائماً الثقافة في ذيل الاهتمامات والموازنات، علماً أن وزارة الثقافة تعتبر وزارة سيادية مثل وزارة الدفاع والداخلية، فهي تصنع وعي الناس وتصدر صورة البلد للخارج.
• كيف لنا تحسين هذا الواقع وما الذي يجب أن يطلبه المسرحيون من حكوماتهم؟
نحن علينا حق كبير، فنحن لم نستطع فرض احترامنا على هذه المؤسسات ولاسيما أننا نخلق ونوجه الوعي ولكن هم غير مؤمنين بنا، ولا بد من تفعيل دور المسرح المدرسي الذي يصنع جمهوراً مهماً ويخلق له ذائقة مسرحية عالية، والانتباه للمسرح المدرسي يعد أس الإستراتيجيات التي يمكن أن تضعها وزارات الثقافة والتربية والإعلام.
• معروف عنك أنك تعمل على الفرجة المسرحية في عروضك، من أين جاءت هذه الفكرة ولماذا اعتمدتها؟وما الذي يدفعك إلى التقديم ضمن المسرح الدائري أو التفاعلي وفي فضاءات مفتوحة؟
حقيقةً القصة طويلة حول ذلك، بدأت معي منذ زمن بعيد حول عدة أشخاص كنت أشاهدهم في مناسبات الأفراح في بلدتي، وعندما أتيحت لي الفرصة أن أقدم عرضاً في القاهرة، استخدمت معرفتي ودراستي في الهندسة وتأملت في شكل الدائرة التي تعد أكمل الأشكال الهندسية وبالتالي التلقي فيها مختلف والممثل عليه أن يعمل بكل أطرافه ومن أمامه ومن خلفه، وقمت بتغيير شكل المسرح وجعلته دائرياً والجميع ذهل بذلك، وبعد وقت ألفّت نصاً وقدمته بطريقة المسرح الدائري الذي يجتمع فيه الجمهور بأريحية، فالجميع عينه بعين الممثل ويظن نفسه هو المقصود، فهذا الشكل يحقق عدالة التلقي، والجميع في الصف الأول وكأنه وحده الذي يحضر هذا العرض.
• قدمت العديد من الأعمال التي ألفّتها وأخرجتها، أين تكمن الصعوبة في تقديم هذه المهام مجتمعة؟
عندما تتبنى القضايا الشخصية فإنك تتجاوز مرحلة المشاعر، وأنا استغرق قرابة الـ7 أشهر في التحضير لكل عمل، فأنا كاتب ومخرج وممثل إضافة إلى الشخصية الأساسية التي أؤديها، وأنت تتعامل مع 4 أشخاص في شخص واحد، وأنا انتقل بينهم بجملة واحدة أحياناً، وأنا عندما شرعت بهذا النمط لم أجد نظريات تمثيل تكفي، فذهبت إلى اللغة التي أسعفتني بشكل أكبر، ففيها الفاعل ونائب الفاعل والضمير الغائب وضمير المتكلم وضمير تقديره هو ووجدت أن اللغة يمكنها أن تحل كل هذا، فأنا بجملة ما ضمير متكلم وفي التي تليها ضمير غائب وهكذا.
وأنا أراها سلسة في التلقي للجمهور ولاسيما أنني أجعله جزءاً مني وأشركه معي في اللعبة، وأنا أريده مستسلماً وجدانياً ومشاعرياً وعندما يغادر يفكك الرموز كما يشاء.
• بصورة مختصرة، حدثنا عن عرض «بأم عيني» وما الرسالة التي يحملها؟
«بأم عيني» هي وقائع حقيقية لزيارة غير معلنة لأرضنا المحتلة عام 1948، سأقدم فيها بعض الشواهد التي رأيتها بعيني هناك وجميعها تقول إن الأرض تتكلم عربي وإن فلسطين لم يتم احتلالها بشكل كامل حتى الآن رغم قيام الكيان الصهيوني منذ 1948 العنيف والبربري والوحشي وغير إنساني، ولكن في نهاية العرض أصل إلى أن الاحتلال هش ولا يحتمل إلا هزيمة واحدة، في حين نحن نحتمل أكثر من هزيمة لننهض من جديد ولكن لماذا لا يهزم حتى الآن، فسؤال المسرحية الأخير يتجسد في: لماذا هزمنا؟ لماذا يهزمنا؟ ولماذا لم نهزمه؟
بطاقة تعريفية
غنام غنام: مؤلف أدبي ومخرج وفنان مسرحي مواليد أريحا 1955.
تنوع في إبداعه بين الكتابة الأدبية والمسرحية وبين التمثيل والإخراج، وقد برز كواحد من ألمع المسرحيين العرب من خلال أعماله المسرحية اللافتة التي قدمها في بلدان عدة، ولاسيما أنه أخلص لمشروعه المسرحي وكرس حياته من أجله مؤمناً بأن المسرح هو الحياة والحضارة والمستقبل، عمل مع رائد المسرح هاني صنوبر منذ عام 1984 في مسرحية «تغريبة ظريف الطول».
أسس 3 فرق مسرحية هي: فرقة موال المسرحية وفرقة مختبر موال المسرح التي أصدر فيها بيانين مسرحيين مهمين وفرقة المسرح الحر عام 1999، أصدر في القصة القصيرة «قف للتفتيش» و«من يخاف» و«برجمة»، وفي المسرح أصدر «حكايات القاضي ريحان» و«كأنك يا أبو زيد» و«تجليات ضياء الروح» وفي التاريخ المسرحي أصدر «موجز تاريخ المسرح الأردني» و«المختصر المفيد في المسرح العربي الجديد» والعديد من الأعمال الأخرى، ومن أهم الجوائز التي حازها: جائزة الدولة التشجيعية وجوائز في التأليف والإخراج المسرحي محلياً وعربياً.
حاز الجائزة الفضية في مهرجان التلفزيون في تونس 2007، جائزة أفضل عرض مسرحي/ مسابقة النقابات لأسبوع القدس (يمام الأقصى) 2009 تكريم في مهرجان الرواد والمبدعين العرب/ ريادة مسرحية/ دمشق عاصمة الثقافة العربية / الجامعة العربية / 2008 جائزة التحكيم الخاصة على التمثيل في مونودراما عائد إلى حيفا. مهرجان المسرح الأردني. 2009. جائزة الإبداع في التأليف المسرحي 2016، وزارة الثقافة- الأردن. نص« ليلك ضحى الموت في زمن داعش»، -جائزة الفنان العربي المتميز- مهرجان أيام الشارقة المسرحية 2018، عن تأليف وإخراج مسرحية «ليلك ضحى»، وجائزة فلسطين التقديرية للفنون لعام 2022 على مجمل أعماله المسرحية، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين ونقابة الفنانين ويعمل كمسؤول للإعلام والنشر في الهيئة العربية للمسرح.
له مشاركات مسرحية عدة منها: «ما تبقى لكم وعرس الأعراس وخمس دمى وامرأة والإمبراطور ومعروف الإسكافي وشهقة اثنين وهي القدس ويا مسافر وحدك وعائد إلى حيفا وسأموت في المنفى وبأم عيني».