هزة تربوية عنيفة
| ميشيل خياط
لا يستطيع صحفي متابع للشأن المحلي، أن يتجاهل ما حدث في الأيام القليلة الماضية على صعيد امتحانات الشهادات الثانوية، أي إقصاء مديري تربية دمشق وريف دمشق بتهم غير موثقة حتى الآن، إذ نقلت عدة مواقع إعلامية خاصة، على «الفيس والواتس»، أنه تم إلقاء القبض على شبكة مسؤولة عن خلل حصل أثناء سير العملية الامتحانية، والخلل ليس تسريبات للأسئلة كما تردد، والتحقيقات مستمرة وستتم المحاسبة استناداً إلى القانون 42 لعام 2023.
في البداية قيل إنه أعفي لكونه المسؤول عن سير العملية الامتحانية، وعلى وسيلة أخرى قيل: بسبب وجود فوضى وعدم انضباط والتزام بالتعليمات الامتحانية.
كذلك وللأسباب ذاتها أعفي مدير تربية ريف دمشق من منصبه، ولفتت وزارة التربية أنه لا يوجد تسريب للأسئلة، «وكان وزير التربية أكد في مقابلة مع جريدة «الوطن» أنه وحده من يطلع على الأسئلة»، ووسط ما ننعم به من حرية الكلمة والكتابة والتعبير المدعم بالرصانة والوقائع والمنطق السديد والجدل الموضوعي، رأيت أن أقول ما أعتقد أنه الصواب وأنه يخدم أبناء وطني الحبيب سورية، ذلك أن السكوت على الخطأ إساءة للمستقبل.
يتبنى العرف السوري حكمة مفادها: لا تغيّر أحصنتك أثناء المعركة.
ولعل ما حدث هو انتكاسة كبيرة فالرجلان، سليمان يونس مدير تربية دمشق وماهر فرج مدير تربية ريف دمشق مشهود لهما بالنجاح وحسن الإدارة وهما في منصبيهما منذ سنوات عديدة وهما يتعاملان مع أكثر من نصف طلاب سورية ومدارسها، وهما رئيسا لجنتي ضبط الغش الامتحاني في مديريتي تربية دمشق وريف دمشق.
إنني أستغرب السرعة في الإقصاء وكأن المديرَين قشة في مهب الريح لا تاريخ لهما ولا علاقات ولا دور….!.
ألم يكن من الأجدى وطنياً التريث حتى انتهاء التحقيقات…؟
مديرا تربية قدما كبشي فداء كرمى لعيون القانون الجديد وعلى نمط: تعالوا انظروا، القانون 42 بدأ يعطي ثماره، فأي ثمار هذه.؟!
إن ما حدث جاء في أعقاب الترويج الكثيف للقانون 42، ومن الواضح أن هذا القانون وعلى الرغم من تشدده في معاقبة غير الطلاب ممن يتدخلون في العملية الامتحانية، لم يلغ ولم يمنع محاولات التدخل أو الغش، وهذا طبيعي ومنطقي، فالقوانين تعاقب بعد ارتكاب الجرم، وهي تاريخياً لم تلغ الجريمة حتى لو كانت تنص على الإعدام، ففي البلدان التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام تنتشر فيها الجرائم وربما أكثر من تلك التي ألغت عقوبة الإعدام.
لقد علق أحد المواطنين على مقابلة مع وزير التربية أجرتها الفضائية التربوية قائلاً: (هادا امتحان ولا دورة صاعقة….!!). كان الوزير يشرح العقوبات: حبس وسجن وغرامات مالية، وكانت المذيعة تستفسر أكثر عن طرق الاتهام والسجن والتشدد …. إلخ.
في فقه القانون المتهم بريء حتى يدان.
هذه ليست أول مرة تجرى فيها امتحانات الشهادات الثانوية في سورية فدعوها تمر بسلام واتخذوا الإجراءات القانونية من دون ضوضاء رفقاً بالطلاب، ولقد رجونا وزير التربية في مقالات سابقة الروية، فهذه وزارة تربية، معقل المحبة والحرص على أعمدة الوطن، فمنذ أن عيّن وزيراً سعى إلى إلغاء الدورة الثانية، ويهدد اليوم إنها وإن بقيت فلن تفيدكم وستكون أسئلتها صعبة…!!
وهذا غير معقول ومرفوض، إذ ليس منطقياً أن يقف الوزير في وجه من يسعون إلى التفوق، كما أن تصعيب الأسئلة أداء غير تربوي، والامتحانات لا تقيس وحسب، بل تعلم.
إن ما حدث في الأيام القليلة الماضية كان محزناً ومؤلماً وكان له تأثيره السلبي على النفوس الهشة لطلاب الشهادات بسبب القلق والتوتر، وشكّل هزة عنيفة وشديدة تم احتواؤها على الطريقة اليابانية…! ووسط أنباء مبهمة.
واليابان التي حققت تقدماً مذهلاً بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم مما لحق بها من دمار هائل، اتكأت على التعليم في إنجاز مأثرتها الاقتصادية والصناعية والعلمية، لكنها أعطت المعلم راتب وزير، وحصانة دبلوماسي وهيبة إمبراطور.