مكاسب سورية الإيجابية بين العامل الروسي والتطورات الأوروبية الإيرانية
| تحسين الحلبي
يثبت سجل الحروب والتحالفات والعلاقات الأميركية في العقود الماضية حقيقة واضحة هي عدم الوثوق بالسياسة الأميركية وقواعد عملها في المنطقة بشكل خاص وفي العالم بشكل عام، ففي الأشهر الماضية حقق الدعم الجوي العسكري الروسي للجيش السوري وقواته البرية مكاسب وإنجازات عسكرية ضد مجموعات داعش ومن يسير على دربها الإرهابي وجرى تطهير أكثر من 40% من المساحات التي تسيطر عليها هذه المجموعات وأنصارها وشكل هذا العامل المشترك الروسي السوري ضربة للسياسة الأميركية وإستراتيجيتها تجاه سورية والمنطقة لأن التحالف الأميركي الذي يضم عشرات الدول باسم الحرب على داعش كانت واشنطن تهيمن عليه بسياستها الهادفة إلى إطالة أمد الحرب على داعش والسماح له بالتوسع.
وبقيت القوة الأميركية الجوية تشكل أكثر من 90% من دور التحالف في طلعاتها الجوية في العراق وسورية وكأن واشنطن لم تكن ترغب في مشاركة قوات جوية أخرى ما دامت تهدف إلى استغلال الحرب على داعش لأطول فترة تتوافر لها خلالها تحقيق أهدافها الرئيسة ضد سورية والعراق وطهران.
وبدا أن فرنسا وبريطانيا ودولاً أوروبية أخرى انسجمت مع هذه السياسة الأميركية ما دامت تتفق مع مصالحهم وأهداف هذا التحالف في سورية. ففضلوا تجنب مشاركة سلاح الجو الفرنسي والبريطاني مع سلاح الجو الأميركي في ضرب داعش في سورية والعراق.. لكن التطورات التي وقعت في فرنسا في (تشرين الثاني 2015) وسقوط أكثر من 130 ضحية لإرهاب داعش وسط باريس فرض على الحكومتين الإعلان عن مشاركة سلاح الجو لأول مرة ضد داعش في سورية لإثبات أن الحكومتين جادتان في محاربة الإرهاب أمام الرأي العام الفرنسي والبريطاني والأوروبي رغم أن دورهما لم يغير شيئاً أمام ما حققه سلاح الجو الروسي منذ أيلول 2015 أي قبل شهرين من إعلان رغبتهما إطلاق سلاح الجو ضد داعش في سورية.. وأمام هذا التطور الذي لا يقلق روسيا ودورها كثيراً فقد لاحظت إدارة أوباما أن دخول العامل الروسي وتوسع إرهاب داعش إلى أوروبا سيعرقل سياستها الهادفة إلى إطالة أمد الحرب مع داعش في سورية ولن يكون بمقدورها الاستمرار في هذه السياسة وخصوصاً أنها ستولد تناقضات واختلافاً مع الحكومة العراقية التي تجد نفسها في حرب مشتركة مع سورية ضد داعش في كلتا الدولتين.
ويبدو أن السياسة الأميركية بدأت تلجأ منذ أسابيع إلى تنظيم دور ومشاركة التحالف بما يوفر التكيف مع دور العامل الروسي ونتائجه والمخاوف الناجمة عن مستقبل هذا العامل الروسي وعلاقاته وتأثيراته في منطقة الشرق الأوسط.
وهذه السياسة الأميركية ظهرت واضحة حين قام (أشتون كارتر) وزير الدفاع الأميركي بعقد لقاءات مع عدد من وزراء الدفاع الأوروبيين في الأسبوع الماضي واتفق معهم على عقد اجتماع في شباط في بروكسيل مقر الاتحاد الأوروبي لتنسيق هذه المشاركة، وفي هذا الإطار أعلنت حكومة هولندا قبل يومين أنها ستنضم إلى المشاركة بسلاح جوها لأول مرة ضد داعش ومجموعاتها في سورية والعراق بهدف التخلص منه وعدم امتداده إلى الساحة الأوروبية ومن أجل المشاركة في المساعدة في إعادة بناء المدارس والمستشفيات في سورية ودعم مجموعات (المعارضة المعتدلة) وبغض النظر عما يمكن أن يصدر عن اجتماع كارتر في بروكسيل في شباط إلا أن المصادر الأوروبية تؤكد أن أي نشاط لأسلحة جو أوروبية وأي نشاط آخر في سورية لا بد أن يجري بالتنسيق مع روسيا بشكل مباشر ومع سورية بشكل غير مباشر في هذه المرحلة، لكن السؤال الذي يمكن طرحه بعد هذه الافتراضات أو التوقعات: هل ستتراجع إدارة أوباما عن قواعد اللعبة السابقة ضد سورية وتتجنب التصادم مع الدور الروسي وسياسته تجاه سورية؟ وهل ستحمل مشاركة هولندا ودول أخرى في الحرب ضد داعش في سورية والعراق تقارباً مع روسيا التي فرضت على هذه الدول التقدير الإيجابي للدور الروسي العسكري ضد داعش في سورية؟ يبدو أن التطورات الإيجابية للوضع الإيراني مع أوروبا وإنجازات الجيش السوري في الميدان ضد داعش وأنصارها ستفرض مرحلة جديدة إيجابية بدأت تطل على سورية والمنطقة.