قضايا وآراء

واشنطن بين تأييد قتل المدنيين وفرصة وقف النار في غزة

| تحسين حلبي

تحت عنوان «هذا ما كانت تفعله الولايات المتحدة أيضاً وهو أبشع ما تبرره لإسرائيل»، يكشف كيللي بروكار فلاهوس مدير تحرير المجلة الإلكترونية الأميركية (ريسبونسيبيل ستيتكرافت) أن المسؤولين في الولايات المتحدة يدركون أن الجيش الأميركي قام في تاريخه بعمليات قتل مكثفة للمدنيين في أنحاء العالم، وهو ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة «وهذا ما اعترف به جون كيربي الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بنفسه وهو الذي كان قائداً للقوات البحرية الأميركية سابقاً وبرتبة أدميرال وأصبح متقاعداً «ثم جرى اختياره ناطقاً حربياً في مجلس الأمن القومي لتبرير كل أشكال القتل التي تستخدمها إسرائيل بشكل غير مسبوق تاريخياً ضد الأطفال والنساء الفلسطينيين.

وكانت آخر تصريحاته المتبجحة قد ظهرت قبل أيام حين قال: «قمنا نحن بتنفيذ عمليات هجومية جوية في العراق وأفغانستان وتسببنا بقتل المدنيين «وهو لا ينسى أيضاً أن غارات جوية مماثلة نفذتها واشنطن ضد المدنيين في سورية والصومال وليبيا، لذلك يؤدي كيربي دوره جيداً في الدفاع عما تفعله إسرائيل من عمليات قتل وحشية ضد الأطفال والنساء طوال ثمانية أشهر، ويرى العقيد المتقاعد من الجيش الأميركي الذي خدم في حرب الخليج أن كيربي يحاول بقوله هذا إعطاء مبررات لإسرائيل لاستمرار قتل المدنيين الفلسطينيين وهذا ما لا يمكن أن يتحمله العالم.

ويبدو من الواضح أن نتنياهو لا يرغب بإيقاف الحرب المستمرة مهما تطابقت شروط إيقافها مع المصلحة الإسرائيلية والأميركية المشتركة لأن أي مبادرة لوقف إطلاق النار مثل مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن ستفتح لجدول العمل الإسرائيلي الداخلي السياسي فرصة فرض تشكيل لجنة تحقيق تحدد رسمياً المسؤولين عن الإخفاق الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول الماضي وما تبعه من إخفاقات يتحمل مسؤوليتها بنيامين نتنياهو كرئيس للحكومة.

لذلك كان نتنياهو قد رفض أول من أمس في اجتماع اللجنة البرلمانية الإسرائيلية لشؤون الأمن والسياسة الخارجية أي اقتراح لتشكيل لجنة كهذه لأن نتائج عملها ستعني إقالته أو استقالته مع مسؤولين آخرين، ولذلك قال «طالما أن الحرب الإسرائيلية في القطاع مستمرة فليس هناك ما يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق»، وهذا يعني أنه لن يتوقف عن استمرار تدميره للقطاع وقتل الفلسطينيين ويجد في هذا مصلحة له في البقاء رئيساً للحكومة ويجد في هذا الموقف دعماً مستمراً من 64 عضو كنيست من أحزاب الائتلاف الحكومي وهي الأغلبية من 120 عضواً، وبهذه النتيجة لا أحد يستطيع حل حكومته في البرلمان.

ولذلك تعول الأحزاب السياسية الإسرائيلية المعارضة على تدخل أميركي يفرض على نتنياهو إيقاف النار بموجب مبادرة الرئيس بايدن وهو ما يخشاه ولا أحد يشك بأن الولايات المتحدة قادرة على فرض أي سياسة تريدها على أي حكومة إسرائيلية، وهذا ما ثبت حين رفض نتنياهو موافقة إدارة باراك أوباما عام 2015 على اتفاق (الخمسة زائد واحد) مع إيران في الموضوع النووي وجن جنونه وطلب من واشنطن إلغاء هذا الاتفاق لأنه ليس من مصلحة إسرائيل وهدد بأنه سيخرب هذا الاتفاق وسيشن حرباً وحده ضد إيران، لأن الاتفاق الأميركي الدولي مع طهران جعل واشنطن لا تفضل وجود حالة حرب أميركية مع إيران، وفي النهاية لم يستطع نتنياهو في ذلك الوقت جر أوباما لإلغاء الاتفاق رغم كل الضغوط التي حاول خلقها للولايات المتحدة، وسلم بهزيمته أمام أوباما.

وها هو بايدن يواجه نتنياهو بمبادرة لإيقاف الحرب في القطاع ويرفضها حتى الآن نتنياهو ويضع برفضه هذا بايدن أمام احتمال هزيمته في الانتخابات المقبلة للرئاسة بعد خمسة أشهر لأن الرأي العام الأميركي يرفض استمرار الحرب الوحشية الإسرائيلية على الفلسطينيين ويندد بنتنياهو وبصمت إدارة بايدن على جرائم الحرب المستمرة التي يرتكبها ضد الفلسطينيين.

والسؤال المطروح في الولايات المتحدة الآن هو هل سيسمح بايدن لنتنياهو بإملاء سياسته عليه لمصلحة بقائه في الحكم؟ أم إنه سيعجل في إسقاط نتنياهو فيضمن إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة؟ يبدو أن الأسابيع المقبلة ستحمل معها إما موافقة نتنياهو على مبادرة بايدن مع بعض التعديلات وتسليم نتنياهو بها مرغماً، أو إسقاط نتنياهو بعد ضغوط تمارسها واشنطن على بعض أعضاء الائتلاف الحكومي داخل البرلمان لإعلان موافقتهم على مبادرة بايدن فتسقط أوراق نتنياهو داخل البرلمان ويتغير بذلك جدول عمل حكومة نتنياهو ويفقد الأغلبية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن