ثقافة وفن

القضايا القومية والوطنية على الشاشة الفضية … سينما خالدة وثقت لأحداث مهمة وقضايا محورية في المنطقة العربية

| مصعب أيوب

تعد القضايا التي تشغل الرأي العام ملاحم كبيرة على نطاق واسع، ويؤمن القائمون على صناعة السينما بأن هذا الجنس الثقافي قادر على تسليط الضوء على القضايا المحورية التي تشغل شريحة كبيرة من البشر ومعالجتها أو تقديمها بصورة شفافة وموضوعية كما أنه قادر على مساندة وتأييد الحقوق المغتصبة، فقد عمدت السينما بمختلف جنسياتها على أنسنة القضايا المحورية، وقد تصدى العديد من الأعمال السينمائية لتجسيد آلام ومعاناة الفلسطينيين وتوثيق جميع مظاهر التهجير القسري والنزوح الدائم والقمع والإرهاب والممارسات اللاإنسانية التي يقترفها العدو الإسرائيلي، كما لم تغب حرب العراق عن أقلام كتاب السيناريو، وكذلك الأزمة السورية الأخيرة، وعليه فنرصد اليوم في هذه المادة عدداً من الأعمال السينمائية التي خلدت في الذاكرة ووثقت لأبرز الأحداث المحورية في المنطقة العربية والتي لم يكن صناعها في أغلب الأحيان من أبناء وطنها، بل أبدعها فنانون ومخرجون وكتاب من جنسيات مختلفة.

في أبرز الأعمال السينمائية التي أبدعها المخرج المصري توفيق صالح «المخدوعون» ١٩٧٢ تجلت الحبكة الدرامية عبر ثلاثة رجال فلسطينيين من أعمار مختلفة يسعون للهجرة خارج فلسطين وتحديداً إلى الكويت، فيسرد الفيلم معاناتهم المريرة خلال رحلة هجرتهم التي تنتهي بموتهم اختناقاً في خزان شاحنة لرجل يعمل في التهريب.

فعبر العمل عن واقع عصيب وفترة مهمّة عاشها أبناء الوطن، ويمكن اعتبار الفيلم رصيداً واضحاً ومهماً لنجوم الفن السوري الذين تألقوا في أدوارهم في هذا العمل بتقديم حالة مهمة في الحركة التوثيقيّة للتاريخ العربي الحديث.

ومن أبرز نجوم هذا الفيلم عبد الرحمن آل رشي وبسام لطفي وثناء دبسي ومحمد خير حلواني.

كما قدم المخرج السوري الراحل عبد اللطيف عبد الحميد العديد من الأفلام السينمائية التي تجلت فيها قضية العرب وتداعياتها على الشعبين الفلسطيني والسوري، فبدأ بفيلم «ليالي ابن آوى»1988، الذي قدم فيه عبد الحميد إسقاطات واضحة للمعاناة الفلسطينية مركزاً على الاهتمام الجماهيري السوري الواسع بالقضية وإيمان شعب سورية العميق بنصرتها.

وقد أنُتج في عام ١٩٩٢ فيلم يحمل اسم ناجي العلي تطرق إلى أبرز المواقف والنقلات والمتغيرات المحورية التي جرت خلال فترة حياة الفنان الفلسطيني ناجي العلي الذي أرهب العدو الإسرائيلي والكثير من الأنظمة العربية بعد أن عرّاها وأظهر مساوئها، فشكل وجوده زعزعة للكيان الإسرائيلي إبان نكسة ١٩٦٧، إذ أكثر من رسوماته التي ناهض فيها تخاذل بعض الحكومات العربية مع الصهيونية وسكوت البعض عن تجاوزات ذلك الكيان الغاشم، فقدم الفيلم سيرة حياة العلي منذ الطفولة وحتى الاغتيال في لندن ليندرج ضمن أفلام السيرة الذاتية.

وقد لعب أدوار البطولة فيه: نور الشريف وليلى جبر وأحمد الزين وتقلا شمعون وأحمد الجندي، كما تولى إخراجه عاطف الطيب بعد أن ألفه بشير الديك.

وهذا الفيلم على الرغم من أنه ينتمي إلى أفلام السيرة الذاتية إلى حد كبير إلا أنه يضيء على قضية فلسطين والعرب المركزية وهي صراعنا مع العدو الإسرائيلي.

وقد كان المخرج السوري محمد ملص من أبرز من تعمق في قضية فلسطين، فأبدع شريطه السينمائي (الليل) ١٩٩٢ الذي تطرق إلى مسألة التطوع في فلسطين، فيختار ملص محافظة القنيطرة مسقط رأسه مسرحاً للأحداث ولاسيما وأنها قريبة من فلسطين، موحياً بأن الشعب السوري متداخل ومنخرط بالشعب الفلسطيني بصورة أو بأخرى، وهو من بطولة صباح الجزائري وهزار عواد وعمر ملص وحياة شفيق وغيرهم.

وفي عام ١٩٩٥ قدم المخرج الإيراني سيف اللـه داد «المتبقي»، الذي أبدعت فيه سلمى المصري بدور الجدّة الفلسطينية التي تسعى جاهدة بشتى الوسائل لاستعادة حفيدها الرضيع من إحدى العائلات اليهودية، وقد أشار الفيلم إلى هجرة اليهود من شتى أصقاع الأرض إلى فلسطين وتأسيس تكتلات وأحزاب جماعات وعصابات لم توفر فرصة واحدة للتفظيع في المجازر والإجرام والاستيلاء على الأرضي واستباحة كل الحرمات وتطاولت على كبار السن والنساء.

يعد فيلم المتبقي من أبرز أفلام السينما الإيرانية التي جسدت القضية الفلسطينية، ولاسيما أنها اقتبست عن رواية الأديب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني، وكان من ألمع المشاركين فيه: علاء الدين كوكش وجيانا عيد وسلمى المصري وغسان مسعود وبسام كوسا وصباح بركات.

مصر بيت السينما

وتجلى الاحتلال الأميركي للعراق في كثير من الأعمال السينمائية المصرية ونذكر منها (ليلة سقوط بغداد) 2005 الذي ألفه وأخرجه محمد أمين، وهو يروي قصة عائلة مصرية يقودها رب أسرة يعمل مديراً لإحدى الثانويات، وبعد أن أثرت حرب العراق بشكل كبير فيه وخوفاً من توسع نفوذ (المارينز) في المنطقة فيسعى لإنقاذ المنقطة بطريقة أو بأخرى، فيجتمع بأحد أذكى تلاميذه ويتفقان على ابتكار جهاز يمكنه صد الهجمات الأميركية ويقدم له جميع التسهيلات والمساعدات اللازمة، وعلى الرغم من كون العمل ذا طابع فكاهي ويندرج ضمن الكوميديا إلا أنه يستعرض الكثير من مظاهر الجرائم الأميركية والكثير من التجاوزات التي قام بها جيش المارينز عقب احتلال العراق ٢٠٠٣.

العمل من بطولة أحمد عيد وحسن حسني وبسمة حسن وهالة فاخر ولطفي لبيب وسامي مغاوري.

في فيلم (معلش احنا بنتبهدل) 2005 الذي يعد أول فيلم مصري ينتقد شخصية الرئيس الأميركي جورج بوش التي يجسدها الممثل الأميركي ديفيد برنت، تدور الأحداث حول شخصية (القرموطي) الذي يسافر إلى العراق بعد الغزو الأميركي لها للبحث عن ابنه وحيد الذي هاجر إليها قبل أن تصبح تحت السيطرة الأميركية، فيخوض في معتركات عديدة ويقابل شخصيات مهمة عربية ودولية، حتى أن الفيلم عد نقداً لاذعاً للسياسة الأميركية.

الفيلم بطولة أحمد آدم وأميرة العايدي وأحمد راتب وعلاء مرسي ومها أبو عوف ومصطفى هريدي وأخرجه شريف مندور وصاغ حواره والسيناريو الخاص به يوسف معاطي.

أما في فيلم (ولاد العم) 2009 فتحدث المخرج شريف عرفة عن معاناة الفلسطينيين من خلال قصة ضابط إسرائيلي يتولى مهمة تشكيل شبكة تجسس للقيام باغتيال شخصيات مهمة في مصر، وهو يرتبط بفتاة مصرية ويغادر بصحبتها إلى إسرائيل، وبعد الكثير من المماحكات تتدخل القوات الإسرائيلية وتعيد الزوجة إلى مصر.

وقد كان العمل من بطولة كريم عبد العزيز ومنى زكي وشريف منير وانتصار وصبري عبد المنعم، ومن سورية سليم كلاس، وهو من تأليف عمرو سمير عاطف.

تعاونات مشتركة

في عام ٢٠١٨ أنتج فيلم رحلة الشام ٢٧٠١ متطرقاً إلى الواقع بعيداً عن المبالغة في الحوارات أو الاستخدام الخاطئ للمؤثرات البصرية التي لا تخدم الفكرة مسلطاً الضوء على جرائم تنظيم داعش التكفيري ومجازره الوحشية وتضافر جهود الطيارين الإيرانيين مع الجيش العربي السوري لدحر هذا التنظيم القذر، فيستعرض حكاية طيارين إيرانيين عسكريين يقومان بمهمة في مدينة تدمر في سورية من المفترض أنها جرت خلال عام ٢٠١٥ ليقع الطياران في قبضة (داعش) وتتوالى الأحداث إلى أن ينتصر الحق نهاية الفيلم.

العمل أخرجه الإيراني إبراهيم حاتمي كيا ولعب أدوار البطولة فيه من إيران: باباك حميديانا وهادي حجازي فار، ومن لبنان: بيير داغر وندى أبو فرحات، ومن سورية: ليث المفتي.. وغيرهم.

كما أنتج في وقت سابق من العام2022 فيلم إيراني سوري مشترك يحمل اسم «أسماء» يستعرض دور النساء المناضلات في الحرب السورية، مجسداً قصة فتاة تعمل في الإغاثة تتعرض لانفجار ضخم في مدينة إدلب، لتتوالى الأحداث بوجود بعض أفراد المجموعات الإرهابية المسلحة، لتبذل هذه المغيثة كل ما تستطيع وتحول دون وقوع حوادث مهولة وعظيمة.

الخلاصة

الأمثلة كثيرة والإنتاجات التي رصدت لأبرز الملاحم العربية والتي حدثت في المنطقة العربية وفيرة ولا مجال لرصدها مجتمعة، إلا أن هذه الأعمال تعد في معظمها كوثيقة تاريخية نسجت ضمن قالب درامي تحدثت بروح صناعها وخلدت التضحيات ورصدت أهم التقلبات في تاريخ المنطقة، فلامست الوجدان وداعبت أوتار القلب وحفرت لها مكاناً ثابتاً في تلافيف دماغ المتلقي العربي، ولعل تضافر جهود المبدعين من جنسيات مختلفة في هذه الأعمال يؤكد استعداد كل فئات المجتمع لتقديم الدعم والمساعدة لكل ما يخدم القضايا المهمة والتي تعري وتكشف زيف الروايات الغربية القذرة، ولاسيما أن وجود أسماء مهمة وكبيرة له أثر عظيم في الوصول إلى أكبر انتشار جماهيري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن