الغرب يغيّر قواعد الاشتباك ويختبر صبر روسيا النووي
| علي ابراهيم
رفع الغرب رسمياً قيوده التي وضعها على استخدام أوكرانيا الأسلحة البعيدة المدى في حربها المتواصلة مع روسيا منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة نهاية شباط 2022، وبات مسموحاً لنظام كييف استهداف القوات الروسية داخل أراضيها، ما يعتبر مرحلة جديدة توشك الحرب دخولها وربما العالم كله، على اعتبار أن خطوة كهذه قد تفتح باب استخدام القنابل النووية.
وعلى الرغم من تردد الدول الغربية الكبرى في إعلان موافقتها على هذا الخيار لفترة طويلة، إلا أن الأخبار القادمة من جبهة خاركوف شمال أوكرانيا تؤكد سقوط القرى والبلدات تباعاً بيد القوات الروسية المتقدمة تجاه ثاني أكبر المدن الأوكرانية بما تحمله من رمزية لكل المحور الغربي المعادي لروسيا، وبما تحمله أيضاً من أهمية استراتيجية كمساحة ضخمة وورقة ضغط في أي مفاوضات قادمة، ما جعل من اتخاذ القرار ضرورة من دون دراسة ما قد ينتج عنها ودون أخذ التحذيرات الروسية بعين الاعتبار.
الأمين العام لحلف الـ«ناتو»، ينس ستولتنبرغ الذي يُعد رأس حربة في تمرير هذا القرار، اعتبر أن تهديدات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي صدرت عقب هذا التحرك «جوفاء» هدفها فقط تشكيل رادع يمنع الغرب من السماح لأوكرانيا بقصف مواقع داخل الأراضي الروسية، وقال قبل أيام في لقاء لوزراء خارجية الـ«ناتو» في براغ «ما من جديد، هذا جزء من جهود الرئيس بوتين لمنع أعضاء الـ«ناتو» من دعم أوكرانيا»، رداً على قول بوتين إن ممثلي دول الـ«ناتو» في أوروبا، وخاصة في البلدان الأوروبية الصغيرة، يجب أن يفهموا بماذا هم يلعبون، ويجب أن يتذكروا أن هذه عادة ما تكون دول ذات مساحة صغيرة، وكثافة سكانية كبيرة»، في إشارة إلى حجم الخطأ الذي ترتكبه هذه الدول بالدفع باتجاه فتح المجال لنظام كييف لقصف الداخل الروسي، وخصوصاً دول البلطيق إستونيا ولاتفيا ليتوانيا، جارات روسيا الثلاث، والذين سيكونون خط جبهة في حال اندلاع حرب كبرى حذر منها المسؤولون الروس مراراً.
نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، كان أكثر تفصيلاً لكيفية تدحرج السيناريو الميداني بعد امتثال أوكرانيا للقرار الغربي، مؤكداً أنه سيتم تدمير جميع هذه المعدات الغربية في الأراضي الأوكرانية أو أراضي أي دولة قد تستخدم فيها ضد روسيا، إضافة لسحق الخبراء الذين يعملون عليها، وقال ميدفيدف: «هذه المساعدات تشكل تصعيداً خطيراً للصراع، وسوف تتلقى أوكرانيا السابقة وحلفاؤها في حلف الـ«ناتو» رداً بهذه القوة التدميرية، بحيث لن يتمكن الحلف نفسه ببساطة من مقاومة الانجرار إلى الصراع»، مشيراً إلى أن ما اعتبره الغرب سابقاً «تهديداً روسياً فارغاً» باجتياح أوكرانيا بات واقعاً اليوم يتعاملون مع نتائجه.
ومع الموافقة الأميركية العلنية على السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة لضرب العمق الروسي، المشروط بكون هذا العمق قريباً من خاركوف ويستهدف فقط القوات الروسية المتأهبة للعمل العسكري في هذه المدينة ومحيطها، أعاد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف التنبيه إلى التحذير الروسي للولايات المتحدة من «ارتكاب أخطاء قد تكون لها عواقب وخيمة»، وقال في السياق: «أود أن أحذر القادة الأميركيين من الحسابات الخاطئة التي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، لأسباب مجهولة، هم يقللون من خطورة المواجهة التي قد يتلقونها، وقد تحدث رئيس روسيا مرارا عن هذا الموضوع».
تهديداتٌ روسيةٌ علنيةٌ ومركزةٌ لأصحاب القرار الذين توقعوا أن تحديد دائرة استخدام الأسلحة البعيدة المدى بمواقع تجمع القوات المتوجهة إلى خاركوف أو طرق إمدادها سيحجّم الرد الروسي، أو قد يجعله ضعيفاً ومتأقلماً ربما مع الحالة الجديدة، فتصبح روسيا وأوكرانيا دولتين متحاربتين تقصف كل منهما أراضي الدولة الأخرى بكل حرية، الأمر الذي لن تسمح به روسيا بتاتاً ولو وقفت في وجهها دول الـ«ناتو» جميعاً، أما شكل الرد وطريقته وحجمه فهي خياراتٌ ميدانيةٌ روسيةٌ ستظهر جليةً في أرض المعركة، مع عدم إغفال أن التهديد باستخدام القوة النووية سيكون أقرب من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من أن روسيا كانت سباقةً في دعوة كييف للمفاوضات التي تنهي الحرب وتحفظ لروسيا أمنها القومي وهو خط أحمر، كان على كييف أنه ما يجب أن تفهمه منذ البداية، فإن الهجوم على خاركوف لم يكن ليبدأ لولا استخدام هذه المدينة التي تبعد عن الحدود الروسية الجنوبية 30 كيلومتراً فقط كمركزٍ لاستهداف البلدات الحدودية الروسية بالطائرات المسيرة، فأصبح اجتياح خاركوف أمراً لا مفر منه لوقف الهجمات الأوكرانية، فكيف سيكون الحال إذا استخدمت الأسلحة الأطول مدىً والأكثر فتكاً لاستهداف القوات المتجمعة في مناطق على بعد نحو 70 كيلومتراً في العمق الروسي، والذي يمكن قوله هنا إن الغرب يسرّع من سقوط أوكرانيا بأكملها وانهيار نظام زيلينسكي، في وقت يجيّر غالبية زعمائه الملف الأوكراني وتفاصيله هذه لخدمة أجندات خاصة، كالرئيس الأميركي جو بايدن الذي يسعى ربما لتحقيق خرق في الأراضي الروسية يدعمه في حملته الانتخابية ضد غريمه دونالد ترامب الذي تعهد سابقاً بقطع الدعم عن نظام كييف وإنهاء الحرب في ظرف 24 ساعة فقط في حال انتخابه رئيساً للبلاد.