عن العلاقات العربية الصينية
| عبد المنعم علي عيسى
بدأت العلاقات الديبلوماسية ما بين الصين والدول العربية مطلع السبعينيات من القرن الماضي الذي شهد اعتراف منظمة الأمم المتحدة بالحكومة الصينية القائمة في بكين كممثل شرعي ووحيد للشعب الصيني بديلا عن اعترافها بـ«حكومة تايبيه» التي كانت تحظى بتلك الصفة فيما سبق، ومذاك الوقت بدت تلك العلاقات أقرب لـ«الفاترة» تبعاً لمعطيات عدة أبرزها المناخات التي أفرزها نظام «القطبية الثنائي» الذي كان يسود العالم حينها، والذي يجعل من التعاطي مع أحد قطبيه، أو كليهما، بنداً أول على سلم أولويات الدول، جنباً إلى جنب معطيات أخرى من نوع بعد «الجوار» بمعناه الجغرافي، ثم من نوع الصورة التي كان عليها الكيان الصيني والتي كان حداها يرتسمان عند كثافة سكانية هائلة أولاً، ثم عند الحمولات، ذات الطابع المعوق، التي تفرضها تلك الكثافة على صيرورة الكيان برمته ثانيا، في الوقت الذي كانت فيه جل البلدان العربية قد وضعت أقدامها على سكة النهوض قبيل أن يتبين فيما بعد، لدى هذي الأخيرة، أن «الرمال المتحركة» التي يمكن للكثيرين إثارتها وقت يشاؤون لم تكن واردة في تلك الحسابات، باختصار لم يكن هناك «مغريات» عند أي من الطرفين كافية للتفكير، والدفع، نحو تقاربات أكثر.
بدت النظرة العربية للصين تتغير مع مطلع الألفية الراهنة التي شهدت نهوضا صينياً كان من الواضح أنه سيتخذ طابعا تصاعديا مستمرا بدرجة سوف تقلق نظام القطبية الواحد السائد منذ مطلع العقد الأخير من الألفية المنصرمة، حتى إن العديد من مفكري الغرب الرأسماليين راحوا يجترحون النظريات والأفكار التي كانت محاورها تدور حول كفة من سوف ترجح في النهاية: بكين أم واشنطن؟ وعليه أظهرت العديد من العواصم العربية اهتماما بذلك النهوض الذي بات من المستحيل تجاهله تحت طائلة وسم سياسات الفاعلين بـ«القاصرة»، كان ذلك بالتزامن مع توجه صيني راح يبدي اهتماما بكل بقاع الأرض، ومنها المنطقــة العربيــة، على الرغم من الحساسية التي تمثلها هذي الأخيرة بالنســبة للغرب عموما وللولايات المتحدة على وجه التحديد، والشاهد هو أن بكين قررت مد جسورها باتجاه الشـرق الأوســط وفي قلبه الدول العربية، لتكون أولى الثمار الإعلان عن تأسيس «منتدى التعاون العربي الصيني» العام 2004، والذي أريد له أن يكون نواة لشراكة استراتيجية تشمل التعاون الشامل في شتى المجالات، الأمر الذي يعني ولوج العلاقات بين الطرفين، الصين والبلدان العربية، منعطفا مهماً من دون أن يعنــي ذلك أن هذا الأخير «سالكا» بسهولة إذ لطالما كانت هناك العديد من التحديات التي من الصعب التغلب عليها ما لم تتوافر شروط عدة على رأسها الإرادة.
افتتح الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين يوم 30 أيار المنصرم الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري الخاص بـ«منتدى التعاون العربي الصيني»، بحضور ممثلين عن 22 دولة عربية، وفي الكلمة التي ألقاها عبّر عن رغبة بلاده في «تعزيز علاقاتها مع الدول العربية لتكون أنموذجاً للسلام والاستقرار العالميين»، وأشار إلى أن مبادرة «الحزام والطريق» قد حققت «تقدما كبيرا خلال الفترة الماضية»، ولربما كان هناك الكثير من المشتركات ما بين الطرفين ما يدعم الرغبة التي عبر عنها الرئيس الصيني ويجعل من احتمال أن تصبح أمرا واقعا ذا رجحان أمام نقيضه، فالأمتان، الصينية والعربية، ضاربتان في العراقة والإرث الحضاري، ولذاك دور في التلاقي هو أقرب لدور «المغناطيس»، بعكس الحالة القائمة مع قوة عظمى كالولايات المتحدة التي لا يزيد عمر كيانها على المئتين والخمسين عاماً، لكن ذلك لا يكفي، وبمعنى آخر هو يحتاج إلى «محفزات» تتعدى في مضامينها المصالح المشتركة التي تنشأ عادة فيما بين الدول، صحيح أن بكين تجاوزت «حفر» الإيديولوجيا التي غرقت في وحولها التجربة السوفييتية، وصحيح أيضاً أن «السلعة» الصينية قد استطاعت دك مداميك الغرب في عقر داره وفي ذراه التي كان يراها عصية على المحاولات، لكن المطلوب صينيا، فيما يخص الحالة العربية، هو أبعد من الأمرين السابقين: تجاوز «الحفر» وتوهج «السلعة».
يرجح الكثيرون بأن الصراعات الدائرة راهنا على امتداد العالم، المعلن منها والمستتر، سوف تلعب دور المقرر إذا ما كان هذا القرن سوف يكمل ما تبقى منه حاملا وسم «القرن الصيني» أو «القرن الأميركي»، والمؤكد هو أن النتيجة سوف تتقرر في ملاعب إفريقيا والشرق الأوسط، وفيما يخص «الملاعب» الأولى يبدو أن الصين تجيد «التمرين» عليها، بل الفوز في «المباريات» أيضا، لكن الحال بالنسبة لـ«الملاعب» الثانية يبدو مختلفا بدرجة كبيرة، إذ لطالما كان من المؤكد أن منطقة الشرق الأوسط تعيش منذ عام 1948، حالا قصوى من الاضطراب، تقوى وتشتد على وقع «المهام» التي يكلف الغرب بها ذلك الكيان الذي انزرع بين ظهرانيها شهر أيار من هذا العام الأخير، ولذا فإن سياسة «القوة الناعمة»، التي تنتهجها بكين سبيلا للوصول، قد لا تكون ناجعة كثيرا في منطقة تعاني ذلك الاضطراب، ومن المؤكد أن هذا لا يعني أن على الصين انتهاج سياسة «خشنة» تجاه مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، لكن ثمة «منزلة بين المنزلتين» فكثيرا ما تنجح «القوة الناعمة» في تحقيق مرام على الدرجة نفسها لتلك التي تحققها «القوة الخشنة» شريطة أن يتم الاستخدام الأمثل لها، ثم إن شعوب المنطقة التي تعيش كل هذا الاضطراب انغرس في موروثها مقولة مفادها «عندما يصبح البحر ساكناً يصبح الجميع بحارة ماهرين».
كاتب سوري