ثقافة وفن

مسرحي عربي كبير في ملتقى الإبداع بدمشق … غنام لـ«الوطن»: ابتداء من اللحظة الأولى التي دخلت فيها إلى المعهد وأنا أعيد اكتشاف الغد

| مايا سلامي- تصوير طارق السعدوني

احتفاء بمشواره الفني وتجربته الإبداعية الرائدة استضاف ملتقى الإبداع الذي ينظمه المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق المسرحي العربي غنام غنام الذي برز كواحد من ألمع المسرحيين العرب من خلال أعماله المسرحية اللافتة التي قدمها في بلدان عدة، حيث أخلص لمشروعه المسرحي وكرس حياته من أجله مؤمناً بأن المسرح هو الحياة والحضارة والمستقبل.

وعلى خشبة سعدالله ونوس افتتح الملتقى بفيديو بانورامي لأبرز وأهم أعماله المسرحية، ليلتقي من بعدها طلاب المعهد بمختلف اختصاصاتهم وسنوات دراساتهم في جلسة أدارها الناقد سعد القاسم، كما أختتم اللقاء بتكريمه بدرع المعهد العالي للفنون المسرحية.

اكتشاف الغد

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال المسرحي غنام غنام: «ابتداء من اللحظة الأولى التي دخلت فيها إلى المعهد وأنا أعيد اكتشاف الغد وكيف سيكون شكله من خلال الفقرات التي رأيتها في الرقص والموسيقا والتمثيل، فهناك مواهب مهمة جداً وتربية مسرحية واضحة، كما أن أساتذة المعهد جميعهم على مستوى رفيع، وبكل بساطة شعرت أنني لم أغب كثيراً عن دمشق عندما شاهدتهم يتفاعلون مع عرضي المسرحي».

نشأته ورحلته بالمسرح

وفي بداية الملتقى تحدث غنام غنام عن نشأته وبدايات رحلته في المسرح، قائلاً: «أنا من أصول فلسطينية من قرية «كفر عانا» وهي من قرى قضاء يافا في لواء اللد، ولدت في أريحا عام 1955 في حارة البيادر الشعبية وخرجت مهجراً من أريحا عام 1967 وكان عمري آنذاك 12 عاماً وحملت منها زاداً وزواداً ثقافياً واجتماعياً ومسرحياً وسياسياً لا يمكن أن ينفد بالحقيقة، وأعتقد أن ما شاهدتموه في مسرحية «بأم عيني» مربوط بتلك الذاكرة الموجودة في أريحا لأن الشكل الذي قدمت فيه عرضي مستل من الأفراح والليالي الملاح في حارة البيادر في أريحا، التي كان يحييها أربعة «مشخصاتية» أبو أمينة وحسن وأبو ذكر وذكية الذين أعتبرهم أساتذتي المسرحيين الحقيقيين الذين صلّبوا قناعتي بما أفعل».

وأضاف: «بعد عام 1967 كنت من سكان مدينة جرش الأثرية حيث عشت تجربة اجتماعية مختلفة كلاجئ في مدينة ليس فيها لاجئون سوى أنا وأهلي، وكان المسرح الذي كنت ألعبه في أريحا هويتي لأتفاعل مع المجتمع الجديد، ولأصبح نجماً مدرسياً خلال عام واحد، ومن هنا عرفت تماماً أن المسرح وهويتك ومجتمعك وثقافتك ومن أنت هما درعك الحصين ومن دونهم تكون أنت بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وهذه مسألة لا يمكن أن تكون مقبولة لدى المسرحي».

وتابع: «في عام 1983 انتقلت إلى عمّان لأرحل خلف المسرح، وفي عام 1984 احترفت المسرح، وأنا اليوم احتفل بأربعين عاماً من المسرح الاحترافي، وكان حظي وافراً أنني بدأت خطوتي الأولى مع مؤسس المسرح الأردني المعاصر المرحوم هاني صنوبر الذي ساهم بتأسيس المسرح القومي في سورية، ومن ثم استعادته الأردن ليؤسس أول تنظيم مسرحي محترف الذي هو «أسرة المسرح الأردني»، وعاد ليقدم عملاً فيه وجوه جديدة كنت أنا واحداً منها، هذا الرجل مسك بيدي ووضعني في مقدمة الصفوف وآمن بي ومنحني ما يمنحه المعلم لتلميذه ولذلك أنا مدين له بالكثير مما أنا فيه الآن».

وأشار إلى أنه من بعدها أراد أن يقدم نفسه كمؤلف وكاتب، فشكل فرقة مسرحية مع كل من جبريل الشيخ ونصري خالد اسمها «موال المسرحية» وقدموا أول عمل مسرحي «اللهم اجعله خيراً» من تأليفه وبطولته وإخراج جبريل الشيخ.

وبين أنه في السنة الثانية كان مخرجاً ومعداً لنص «ما تبقى لكم» لغسان كنفاني، منوهاً بأنه وبعد سبعة أشهر من العمل المتواصل منع العرض قبل افتتاحه بيوم وبالتالي كانت هذه محطة مهمة وخطيرة في حياته، ولكن المسرح كان أصلب من أن يهزم لذلك لم يتوقفوا على الإطلاق وعملوا بجميع الطرق إلى أن أصبح هناك هامش ديمقراطي فأعادوا تشكيل الفرقة لكن باسم «مختبر موال المسرح»، هذا الاسم الذي شكل فارقة في صورة المسرح الأردني في التسعينيات ومن خلاله قدم أعمالاً كثيرة منها «عنتر زمانه والنمر» «الجاروشة» التي كانت من تأليف الأستاذ زيناتي قدسية و«كأنك يابو زيد» وغيرها الكثير من الأعمال ثم غادر هذه الفرقة.

وقال: «بعد ذلك شكلنا فرقة «المسرح الحر» وقدمت فيها أعمالاً مهمة جداً، وغادرتها عام 2006 وبدأت أقدم كل الأعمال باسم فرقة «غنام غنام»، وبين عامي 2007 و2008 كنت قد ساهمت بتأسيس الهيئة العربية للمسرح لذلك التحقت في عام 2011 للعمل كموظف في الأمانة العامة للهيئة كمسؤول للنشر والإعلام، وبعد خمس سنوات أصبحت مسؤولاً للتدريب والتأهيل للمسرح المدرسي، ولم أتوقف أبداً عن تقديم المسرح فقدمت وكتبت الكثير من المسرحيات خلال هذه السنوات، وأعتز بأنني بدأت رحلتي مع المونودراما في عام 2007 عندما قدمت «أنا لحبيبي» مع الأستاذ خالد الطليقي، وفي عام 2009 كنت ممثلاً ومعداً مع يحيى البشتاوي مسرحية «عائد إلى حيفا» وبعدها «سأموت في المنفى» و«بأم عيني 1948»

الصعوبات

وتحدث عن الصعوبات التي واجهته في مسيرته، قائلاً: «الإنسان السوي يحول العقبة أو المعضلة إلى فرصة ولا يقف عندها، وأولى العقبات التي صادفتني أنني لم أتمكن من دراسة المسرح لأنني كنت من عائلة فقيرة لم تستطع إرسالي إلى أي عاصمة عربية لأدرسه، فدرست هندسة المساحة في معهد لتعليم أولاد اللاجئين الفلسطينيين» الأونروا « وعندما دخلت المعهد وجدت أن الأستاذ محمود أبو غريب كان قد أسس سابقاً نادياً للمسرح في المعهد فدرست المسرح والمساحة في الوقت نفسه وقرأت من المكتبة مالا يقرؤه طلاب أنهوا الدكتوراه».

ذكرياته في سورية

وفيما يتعلق بارتباطه بسورية وذكرياته فيها بين أن «يا مسافر وحدك» مسرحية من تأليفي وإخراجي قدمتها في الرقة ومن ثم في دمشق، في عرض الرقة كنت أنا وزيناتي قدسية متنافسين ونلت حينها جائزة أفضل عرض، وعندما أتى زيناتي ليقيم مهرجان الشباب طلب مني أن أعرض هذه المسرحية في الختام وكانت هذه آخر رحلة لعرض مسرحي في دمشق.

وكشف أنه في عام 2006 أتى إلى مهرجان دمشق، وقدم مسرحية في بيت خالد العظم وكان العرض مهيباً بالنسبة له ولا يمكن أن ينسى تلك اللحظات التي عاشها كمسرحي في هذا المهرجان. وأضاف: «عندما أقول إن 15 سنة تفصلني عن آخر زيارة مسرحية لدمشق هو ألم ووجع، فهذه المدن أمهاتنا وهويتنا، فدمشق هي ليست اسمها فقط بل هي أناسها وقلوبهم، وكل مسارح دمشق لعبت فيها وزرت بيوتها القديمة».

القضية الفلسطينية

وأوضح أن ما يحدث في القضية الفلسطينية حالياً هو ارتقاء لمستوى التحدي، بمعنى أننا الآن نرى فلسطين قد عادت إلى واجهة المشهد السياسي العالمي بعد أن حاولوا محوها وتغييبها، لذلك الدم الموجود الآن على الأرض الفلسطينية سواء كان في مخيم جنين أم في قطاع غزة هو عبارة عن استحقاق لابد أن ندفعه، ويجب أن نتحمل جراحنا حتى يقول العدو آخ لأنه ليس لدينا ما نخسره إلا النعش.

وعن شكل القضية في المسرح بعد تحرر فلسطين، أكد أن المسرح هو عملية استئناف دائم وعندما تصل إلى مرحلة ما اجتماعياً تستأنف عليها، وعندما تتحرر فلسطين سنستأنف على المشروع المدني الموجود فيها، فنحن نريدها متقدمة وليبرالية وفيها حرية وثقافة متنورة، هذه الصراعات الاجتماعية سنعيشها بعد تحرير فلسطين لأن كل واحد منا الآن يقاتل من أجل حرية فلسطين لكن عندما تتحرر سيريدها أن تكون على مزاجه وسيكون عندنا مهمة صعبة في البناء الداخلي.

ولفت إلى أن فلسطين كدمشق فيها نواة مدنية صلبة ستحميها والمسرح أحد أساساتها، وليس كل ما نقدمه عن فلسطين بشكل مباشر، لكن عندما تدافع عن الحق والخير والجمال والحرية تكون قد دافعت عن فلسطين.

مسرحي عربي

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بين عميد المعهد العالي للفنون المسرحية د. تامر العربيد أن غنام غنام مسرحي عربي معروف عمل في المسرح منذ 40 عاماً وقدم فيه تجارب متنوعة على أهم خشبات المسارح العربية، وملتقى الإبداع عودنا دائماً أن يستضيف أصحاب التجارب القدوة والمهمة.

وأوضح أن وجود غنام في دمشق من خلال المعهد ذو أبعاد متعددة، ففي البداية قدم عرضاً لمسرحية «بأم عيني»، واليوم كان مكرماً ضمن ملتقى الإبداع، منوهاً بأن وجوده هو عودة للمسرح العربي والمسرحيين العرب إلى دمشق من بوابة المعهد العالي للفنون المسرحية، وهذا أمر مهم جداً لأننا منذ 12 سنة لم نشاهد عروضاً عربية في دمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن