قضايا وآراء

في حزيران 1967.. الجيش الأميركي شارك في العدوان

| تحسين حلبي

يخطئ كثيراً من يعتقد أن الكيان الإسرائيلي شن حربه في الخامس من حزيران 1967 على أراضي ثلاث دول عربية، سورية في الجولان، ومصر في سيناء وقطاع غزة، والأردن في الضفة الغربية، بقواته وحده كما زعم حين احتل أجزاء من أراضي هذه الدول، وهذا ما أثبتته وثائق أميركية جرى الإفراج عنها والسماح بنشرها بعد أكثر من خمسين سنة على تلك الحرب صادرة من وزارة الخارجية الأميركية بعنوان: «تاريخ، أحداث، 1961- 1968 الحرب الإسرائيلية – العربية 1967» وجاء فيها أن «سلاح الجو الأميركي وسلاح الاستطلاع الجوي لعبا بشكل سري دوراً كبيراً في تحقيق الأهداف العسكرية للحرب».

فقد شنت إسرائيل هذه الحرب بموافقة مسبقة وتنسيق مباشر مع الرئيس الأميركي ليندون جونسون وبمشاركة مباشرة من مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركي ريتشارد هيلمز، واتضحت هذه الحقيقة حين كشف ديفيد س. روبارج هذه الحقيقة بالاستناد إلى وثيقة سرية سمح بتداولها في تموز 1996، ففي تحليل نشره في 26 حزيران 2008 بعنوان «المخابرات الأميركية وحرب حزيران 1967- وثيقة تاريخية» ذكر روبارج أن «تقدير الوضع الذي قدمه هيلمز بالتنسيق مع جهاز الموساد الإسرائيلي للتجسس عن الخطة المعدة للحرب ونجاحها»، كان دقيقاً ونال تقديراً كبيراً من الرئيس جونسون بعد أن حدد توقيت الهجوم بشكل دقيق والمدة المتوقعة التي ستستغرقها الحرب والنتائج العسكرية التي ستحققها»، وتمكن هيلمز وفريقه من إقناع البيت الأبيض بشكل لافت وبإقناع المعترضين وتبديد مخاوفهم ومن كسب الدعم من وزارة الخارجية الأميركية.

ففي 23 أيار 1967 أي قبل أقل من أسبوعين على شن الحرب الإسرائيلية «الاستباقية» المعدة لحزيران، «انهمك هيلمز وفريقه بتقديم تقرير عن تقدير الوضع بشكل يومي ثم بدأ يقدم تقريرين في اليوم للرئيس وفريق عمله ويضع في هذه التقارير كل احتمالات النجاح والمعلومات عن قدرة الجيش المصري والسوري وتفوق الجيش الإسرائيلي عليهما بمساعدة سرية مباشرة أميركية في حرب خاطفة استباقية على ثلاث جبهات».

الكاتب السياسي الأميركي ستيفين غرين نشر في كتابه «الانحياز» أن الولايات المتحدة شاركت في الحرب بشكل مباشر بوساطة عدد من الطيارين الأميركيين من سرب الاستطلاع التكتيكي في الجناح السادس والعشرين في سلاح الجو الأميركي واستخدموا طائراتهم الأميركية بعد وضع شعار سلاح الجو الإسرائيلي عليها ونفذوا طلعات استطلاع فوق مطارات عسكرية مصرية وسورية وأردنية وكانوا ينفذون ما بين ثماني إلى عشر طلعات جوية في كل يوم من أيام الحرب»، ويضيف غرين في كتابه «كان الطيارون الأميركيون يحملون جوازات سفر مدنية أميركية لكي يظهروا وكأنهم موظفون ضمن عقود مدنية مع الجيش الإسرائيلي إذا ما سقط بعضهم أسرى علماً أنهم كانوا يقومون بمهمة رصد وملاحقة القوات المصرية والسورية التي تتحرك ليلاً بعد ضرب قواعدها، وإبلاغ الإسرائيليين بالمكان الذي وصلت إليه لكي تنفذ الغارات ضدها في صباح اليوم التالي»، واستشهد غرين في كتابه بما قاله له أحد الطيارين الأميركيين الذين شاركوا في هذه الطلعات الاستطلاعية.

كان من الطبيعي أن يتشاور المسؤولون في إسرائيل مع نظرائهم الأميركيين قبل موعد الحرب على كل شيء وباختيار أدق العبارات التي تخفي المشاركة المباشرة بالحرب تجنباً لأي مضاعفات من موسكو، ولذلك كان جونسون أبلغ الدول العربية الصديقة لواشنطن أن «إسرائيل لن تشن هجوماً على مصر وأنه سيعارض أي هجوم من إسرائيل».

لكن المسؤولين في البيت الأبيض كانوا يكررون لإسرائيل عبارة تعطيها الضوء الأخضر لشن الحرب وخصوصاً حين كانوا يقولون للمسؤولين الإسرائيليين: «يجب الحرص على أنكم تقومون بذلك وحدكم»، وهذه العبارة قالها وزير الخارجية الأميركي دين راسك بطريقة أخرى حين أعلن للصحفيين بعد وقف النار: «لم يكن هناك ما يدعونا إلى كبح أحد» أي إسرائيل، وفي النهاية ذكر وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان في مذكراته ما جرى عندما اجتمع به جونسون وبقية المسؤولين في واشنطن في 23 أيار 1967: «ما وجدته عند المسؤولين الأميركيين هو أنهم لم يحذرونا من التوسع كثيراً».

وكان أبا إيبان يعرف أن جونسون حرك الأسطول السادس الأميركي إلى المنطقة وزود إسرائيل قبل أسابيع من الحرب وخصوصاً بعد العشرين من شهر أيار 1967 بقطع تبديل عسكرية وبذخائر ضخمة للأسلحة الأميركية التي كانت تستخدمها وبعربات مصفحة وقذائف جوية بشكل سري، رغم أنه أعلن زاعماً أنه حظر إرسال أي أسلحة وذخائر للمنطقة بحجة التوتر السائد بين مصر وسورية وإسرائيل، وبعد أن شنت إسرائيل هجومها في الخامس من حزيران 1967، رفض جونسون توجيه أي انتقاد ضد شنها لهذه الحرب.

وفي وقتنا الحاضر رأينا كيف أرسلت واشنطن حاملتي طائرات إلى سواحل البحر المتوسط لحماية الكيان من المقاومة ومحور المقاومة، ولا يمكن استبعاد مشاركة مباشرة لجنود أميركيين في الحرب في قطاع غزة بشكل سري وفي مواقع لا تؤدي إلى كشفهم، لكن هذه المشاركة الأميركية العسكرية لم تمنع المقاومة من تكبيد إسرائيل خسائر وهزائم كثيرة منذ حرب حزيران عام 1967 حتى الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن