قضايا وآراء

المنطقة على صفيح ساخن.. تسوية إقليمية متصدعة أو تصعيد تدريجي

| محمد نادر العمري

ما إن لبث الرئيس الأميركي جو بايدن مساء يوم الجمعة الفائت أن ينهي تصريحه الصحفي حول تطورات الشرق الأوسط عموماً وقطاع غزة بشكل خاص، حتى عادت الآمال لاحتمال انعقاد اتفاق جديد من شأنه أن يوقف العمليات العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، ولاسيما بعد إعلانه عما يسمى «خريطة طريق» بمراحلها الثلاث وما تضمنته من تفاصيل وفترات زمنية مرهونة بتنفيذ كل مرحلة من المراحل التي اتخذت هيئة حلقات مترابطة لا يتم الانتقال بين مراحلها إلا بعد تطبيق مستوجبات المرحلة الراهنة.

الآمال التي تزايدت خلال الساعات الأولى بعد إعلان هذه الخطة، كانت نتيجة عوامل عدة أو أسباب تمثلت بداية في كونها مبادرة صادرة عن الجانب الأميركي وخاصة أنها جاءت على لسان الرئيس الأميركي من ناحية، ومن ناحية أخرى لكون بايدن أعلن أن هذه الخريطة كانت باقتراح وبمبادرة إسرائيلية، وهما نقطتان اعتبرتا من المتابعين والمختصين وبعض السياسيين أنهما تشكلان أرضية تدفع الأمور نحو اتفاق جديد، سواء من حيث التوقيت السياسي أم ببعض ما تضمنه الاتفاق من بنود لا تتواءم مع الأهداف والمصالح الإسرائيلية.

بنيت معظم التقديرات على أن خريطة الطريق المعلنة من رئيس البيت البيضاوي تتراوح في دوافعها وأبعادها نحو ثلاثة أسباب دفعت هذه الإدارة التي انخرطت بشكل غير محدود في العدوان على قطاع غزة لتبني المبادرة بهذا التوقيت، وهذه الأسباب تتراوح بين الاحتمالات الآتية: السبب الأول أن هذه الخريطة ما كانت أن تتم لولا التنسيق الأميركي الإسرائيلي لإيجاد مخرج للكيان مما يمكن تسميته «مستنقع غزة» بعد إخفاقه في تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة من خلال القوة العسكرية، مقابل قيام واشنطن بترتيبات جديدة للنظام الإقليمي تسعى من خلالها لعقد صفقة جيوإستراتيجية تاريخية عبر تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية بما فيها السعودية لتعويم الكيان، أما الدافع الثاني فيتمثل في محاولة الإدارة الديمقراطية برئاسة بايدن إحراج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد وصول الأخير إلى طريق مسدود بكل ما يتعلق بتصور سير الحرب وأهدافها، وبمستقبل قطاع غزة، وهو ما يجعل بايدن يتفرغ للانتخابات الرئاسية وتقديم نفسه للرأي العام الداخلي والدولي على أنه رجل سلام، أما الدافع والسبب الثالث فيتجلى بتوقيت الكشف عن تفاصيل الخطة من بايدن لإنزال نتنياهو من أعلى الشجرة وتفادي صدامه مع حلفائه داخل الائتلاف، بمعنى آخر قبيل انسحاب كل من رئيس «المعسكر الوطني» بيني غانتس، والوزير غادي آيزنكوت، من حكومة الطوارئ، وفي ظل تصاعد تهديدات رئيس حزب «عظمة يهودية» إيتمار بن غفير، ورئيس «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة في حال تم التوصل للصفقة، وبذلك يتفادى نتنياهو سقوط حكومته وعدم حصول اضطراب داخلي.

هذه الاحتمالات الثلاثة متساوية بمؤشراتها ولا تتجاوز إحداها الأخرى، إلا أن الغموض الذي اكتنف بعض بنود الخريطة ولاسيما موضوع وقف إطلاق نار مستدام، وعدم وجود ضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي، دفعت المقاومة لعدم التعويل على ما تم الإعلان عنه، وإن كانت قد رحبت بهذه المبادرة، غير أنها ربطت نجاح تطبيق أي اتفاق بتوافر الإرادة السياسية للجانبين الأميركي والإسرائيلي بوقف العدوان وليس بحصول مباحثات جديدة تعيد المفاوضات لنقطة الصفر ما يمنح قوات الاحتلال الوقت لارتكاب المزيد من المجازر، ولا بعقد جولة جديدة من الجولات في أي رقعة جغرافية في عواصم الدول الوسيطة أو غيرها.

وعليه يمكن القول إن كفة مسار الكباش والاشتباك ترجح وتميل على حساب مسار احتمال حصول تسوية لوقف العدوان على قطاع غزة، ولاسيما في ظل توافر العديد من المؤشرات المؤكدة على ذلك والتي تتمثل في:

أولاً: إعلان خريطة الطريق من الرئيس بايدن ليس بالضرورة أن يكون بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية وهو ما يعني استمرار العدوان والآلة العسكرية، ومما يؤكد هذه النقطة هو ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو بالقول: إن ما عرضه الرئيس الأميركي بايدن بشأن مقترح الصفقة لم يكن دقيقاً، رافضاً الموافقة على وقف الحرب على قطاع غزة قبل تحقيق أهدافها، مبدياً استعداده لوقف العدوان لمدة 42 يوماً فقط من أجل إنجاز صفقة التبادل.

ثانياً: وجود رفض شبه مطلق داخل الكيان لما تم إعلانه من الرئيس الأميركي ليس فقط على مستوى أركان الائتلاف اليميني المتطرف كسموتريتش وبن غفير والمحسوبين على الموالاة، بل أيضاً على مستوى من يصنفون ضمن المعارضة وفي مقدمهم رئيس حزب الأمل الجديد «جدعون ساعر» الذي وصف هذا الاتفاق في حال التوصل إليه بأنه اعتراف رسمي بهزيمة إسرائيل وانتصار للمقاومة، فضلاً عن مسارعة البعض وفي مقدمهم وزير التراث الإسرائيلي عميحاي بن إلياهو للرد على هذا الإعلان باحتلال قطاع غزة بالكامل.

ثالثاً: عدم استقرار الأوضاع الأمنية والعسكرية على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، إذ باتت جبهات الاستنزاف والإشغال والداعمة لقطاع غزة ترخي بتداعياتها على كل مجالات الحياة داخل الكيان، ولاسيما ما يقوم به حزب اللـه من فعل مقاوم متصاعد منذ الثامن من تشرين الأول لعام 2023، وارتفاع نسبة احتمالات المواجهة، على الرغم من عدم قدرة الكيان على تحقيق أهدافه في غزة، ووجود ضغوط أميركية وغربية لعدم توسيع رقعة الصراع في المنطقة، وفي ظل ما أنجزته وتنجزه المقاومة اللبنانية خلال الأشهر السابقة بهدف ردع الكيان للقيام بمغامرة ضد لبنان من ناحية، ولدفعه للقبول بصفقة من شأنها وقف العدوان على قطاع غزة.

رابعاً: وجود العديد من النقاط الغامضة والمبهمة في نقاط المبادرة الأميركية واستمرار الأخيرة بإلقاء اللوم والمسؤولية على المقاومة فيما يتعلق بعرقلة المفاوضات.

إعلان مندوبة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أن بعثتها الدبلوماسية قامت بتوزيع مشروع قرار جديد لمجلس الأمن يدعم مقترح سلام قدمه الرئيس بايدن، ودعت إلى إلزام حركة حماس بالقبول به لإنهاء القتال في غزة من خلال وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن، خطوة تحمل العديد من الدلالات، أبرزها ممارسة واشنطن الضغط على حكومة نتنياهو للقبول بهذه الصفقة في ظل عدم وجود رغبة وإرادة لدى نتنياهو للذهاب نحو عقد اتفاق قريب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لإنهاء العدوان وفك الحصار وإعادة الإعمار، ولكنها قد تكون خطوة أميركية بهدف إيجاد مخرج لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للنزول من أعلى الشجرة، من خلال صفقة متصدعة لتفادي تصعيد خطير على مستوى المنطقة بعد وصولها لحافة الهاوية.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن