ثقافة وفن

بلا قدمين

| إسماعيل مروة

يا لكونفوشيوس وحكمته، الحكمة يقولون ضالة المؤمن، من المؤمن؟ وبماذا يؤمن؟ وأي حكمة يريد؟ وما الغاية التي يسعى إليها ليختار الحكمة؟

واحدنا إذا كان بحاجة إلى أمر ما يمكن أن يلوي لسانه؛ ليقول حكمة ويعتقد بحكمة تصل به إلى بر الأمان، فتكون الحكمة «الغاية تبرر الوسيلة».

همس في أذني أحدهم ليقول أنا لا يعنيني شيء إلا مصلحتي! قد يكون الكلام منطقياً، ولكن عن أي مصلحة يتحدث هذا؟ وأين تتفق مصلحته مع مصلحة الآخر؟ وأين تتفق مصلحتهما معاً مع مصلحة المجموع والأوطان؟ متى يمكن أن تكون الغاية تبرر الوسيلة؟ هل كل الغايات تمتلك نبلاً تستحق بسببه أن تتعدد وسائلها؟ وإذا بررنا الوصول إلى الغاية فما أهمية الغاية إن كانت على جثث الأحلام وعلى قوت الأطفال وعلى آلام الأمهات؟!

أشياء كثيرة تدفعنا لأن نفكر ما الغاية؟

لو كان واحدنا يريد أن يسلب فقيراً ما له فمن الممكن أن يعطيك حكمة تتحدث عن الأهمية الجمعية على حساب الفرد؛ لأن المجتمع أهم من الفرد، هذا صحيح، فالفرد قد يكون أهم من المجتمع، وقد يكون المجتمع أهم من الفرد، متى تكون هذه الأهمية؟ ومتى لا تكون؟ إن الأفراد مجتمعين يشكلون مجتمعاً، وإن تحقيق الغايات الفردية البسيطة يمكن أن يحقق سعادة مجتمعيّة كبيرة للغاية، التاجر قد يوجد حكمة تدفعك إلى الشراء، والذي يشتري البضاعة التراثية (الأنتيكا) قد يزهدك بهذه البضاعة التي تملكها؛ ليأخذها منك! إنها الروح الاقتصادية نفسها في المضاربة، هي التي يمكن أن تحكم الأشخاص، وبإمكان كل واحد منّا أن يتذّكر الأشخاص أنفسهم، ولا بد أن بعضهم في مرحلة ما يتحدّث بحكمة، وفي مرحلة أخرى يعطي حكمة أخرى مختلفة تتضارب مع الأولى!

كم من شخص كان يجلس على المنابر ينظر، يتحدث عن حقوق الناس عن حقوق المرأة، عن حقوق الوالدين؟ ولكن إن صار مسؤولاً أكل حقوق الناس، وإن صار مسؤولاً عن جمعية تتعلق بالمرأة كان أول من يسلب المرأة حقوقها، وقد يفعل ذلك مع الأطفال! كم من واحد من هؤلاء جلس عمره يتحدّث بالمثاليات؟ ولكنه عندما وصل إلى مكان ما عمل بالمثاليات النقيضة! وحين يخرج من مكانه سيجلس أيضاً دون أدنى حياء؛ ليتحدث بما كان يتحدث به قبل أن يكون مهمّاً وقبل أن يُعزل؟

الحكمة أيها السادة لا يعطيها غير الحكماء، والحكماء يأخذون الحالات المتعددة، ويعطون الحكم والأحكام المتعددة، ولكنها لا تصل حدّ التناقض ولا تبتعد عن الإنسان، غاندي كان رجلاً عظيماً عندما قاوم الاحتلال بالسلم بالصوم، لم يحمل سلاحاً، كان نباتياً، كان مسالماً، وحين طالته يد الغدر، تذكر الكتب أن غاندي قبل أن يفارق الدنيا أول ما فعله هو العفو عن قاتله! هكذا تكون الحكمة.

وعندما يقول كونفوشيوس: «أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام» لم تحمل حكمه ودعواته غير محاولة الوصول إلى المعرفة وإلى إنارة الشموع أمام تلاميذه أولاً وأمام الناس عامة، اليوم كلّ واحد منّا ينظر إلى الآخر بعين من حسد، فهذا يحسد الغني، وذاك يحسد المسؤول، وثالث يحسد التاجر، وكم من حالة رأينا فيها هذا الحسد أو التقرّب، ولكن عندما يُعزل المسؤول من مكانه نجد الذي كان يحسده يقول مسكين، الحمد لله أنني لست مكانه! وعندما يفتقر الغني ينظر إليه حاسده بعين الشفقة والتشفّي، وعندما يخسر التاجر يصبح أيضاً محلّ شفقة وسخرية.

ما منّا من واحد ينظر إلى نفسه، السعادة تأتي من الداخل بالقناعة بما أنت فيه، والعمل من أجل تعزيز ما أنت فيه، حكمة جاءتني من عزيز، يقول كونفوشيوس: «كنت أحسد من له حذاء إلى أن رأيت رجلاً بلا قدمين» هل يحتاج الواحد منّا إلى أن يرى الآخر بلا قدمين حتى لا يحسد من يملك حذاءً؟! هل يحتاج واحدنا ليكون عليلاً ليقول: «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلّا المرضى».

عندما رأى كونفوشيوس رجلاً بلا قدمين أدرك أنه لا قيمة للحذاء ولا يشكل نقطة أمام هبة الخالق بقدمين يمكن أن تطرقا كل الأبواب وإن كانتا حافيتين.

هي الحياة نظرة في الذات وما تملك قبل أن تكون نظرة في الآخر وما يتميز به عنك، زهد كونفوشيوس بالحذاء عندما عثر على رجل بلا قدمين، إذ ماذا يمكن أن يستفيد هذا من الحذاء؟! في كل ميدان نفكر في الشيء وما يقابله، ولا يمكن أن يكون القياس إلا بالمناسبة بين المتلازمات، ودون النظر إلى الكماليات في الأشياء المتناظرة..

بقدم حافية هزم غاندي المستعمر والكره وليس بحذاء فاخر..

بقدم عارية سقى الفلاح أرضه وشجره..

بقدم عارية تكون الأشياء الجميلة..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن