ثقافة وفن

أمسية تراثية فنية عن الإنشاد والموشحات في حمص … أصحاب الفن والمواهب في مدينة حلب حافظوا على هذا التراث وجاهدوا في جمعه وتدوينه

| عبد الحكيم مرزوق

أقامت الجمعية التاريخية أمسية تراثية فنية بعنوان (مدينة حمص مع الأدب والفن) قدمها المؤرخ غازي حسين آغا بمرافقة فرقة الإنشاد التراثي بقيادة المنشد أيمن الحلبي وذلك في مقر الجمعية التاريخية.

تطوّر هذا الشكل من المديح

وقد أوضح المؤرخ غازي حسين آغا: أن السماع والصوت الحسن يولد في القلب حالة من الإشراق والوجد، حيث يدخل تأثيره إلى عالم المعنى فترق النفس وتتلطف، ويشعر صاحبه بالشوق وراحة البال وأضاف: إن الغزالي قال: من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج وليس له علاج، وبعد عصر النبوة تطوّر هذا الشكل من المديح النبوي وتوسع وصار من الفنون الأدبية التي أبدع فيها أدباء صدر الإسلام وما تلاه، واهتم به أدباء الصوفية بشكل خاص فأبدعوا فيه نظماً ونثراً وقد أغنى هذا الشكل من المديح المكتبة العربية بالكثير من القصائد والبديعيات والدواوين والمجاميع.

من أشكال السيرة

ويضاف إلى هذا الشكل من المديح ما يعرف في مجتمعنا بقصة المولد النبوي، وهو شكل من أشكال السيرة النبوية، وقصة المولد هي منظومة مسجوعة ومقفاة، ولها أسلوب أدبي خاص تستخدم فيه فنون البديع والبلاغة والبيان وتصلح للتلاوة والتغني بها على قواعد ومقامات أهل الفن، وقد حمل مسؤولية هذا التراث أصحاب الأصوات الحسنة من الموهوبين ومنهم الأديب الصوفي الشيخ أمين الجندي الذي ولد في مدينة حمص وله ديوان مطبوع مؤلف من 448 صفحة، وقد ألف ولحن مجموعة كبيرة من الموشحات تناقلها أصحاب المواهب فأطربت مجالس أهل الأدب والفن، وأثناء وجوده في حلب أخذ عنه أهل الأدب والفن موشحاته وألحانه البديعة وما زالوا يتغنون بأدائها وتعتبر (إسق العطاش) من أشهر وصلاته الغنائية.

أصابه فتور وانحسار

في النصف الأول من القرن العشرين أصاب الفن ما أصابه من فتور وانحسار في مدينة حمص، وذلك بسبب وفاة كبار أصحاب المواهب، وتوقف نشاط الزوايا الصوفية، وبقي هذا التراث بين قلة قليلة، وقد التفت المنشد المعاصر إلى الحداثة بشكل عام فضاع من هذا التراث الكثير، وحافظ أصحاب الفن والمواهب في مدينة حلب على هذا التراث، ولم يتخلوا عنه بل جاهدوا في جمعه وتدوينه، وتسرب بعناية فائقة، فازدهر في مجتمعاتهم الفنية، وانتشر في وسائل الإعلام وفي الحفلات الخاصة والعامة، وفي بلاد الاغتراب، وفي النصف الثاني من القرن الماضي عرف بهم علماً وعملاً، وأطلقوا عليه القدود الحلبية، مع أن هذا التراث في معظمه تراث حمصي انتشر في جميع البلاد قديماً وحديثاً ووصلة إسق العطاش خير شاهد، وهذه الوصلة أصل نغماتها حجازية وحلبية اللهجة والطابع.

لا علاقة له بالسماح

وقال (حسين آغا) إن السماح هو توجه روحي يشتمل على توسلات بالأيدي والخطوات، ويجسد حالة تصويرية وتعبيرية، وحركات وجدانية تشير إلى آيات كونية معروفة في أذكار السدة الصوفية، وتترافق حركاته الوجدانية بأصول الموشحات والقدود الصوفية لحناً وإيقاعاً وأضاف: إن ما نشهده اليوم هو إبداع مسرحي ابتعد كثيراً عن الأصل ؛ وأطلقوا عليه اسم رقص السماح، كما أطلق على أذكار الميلوية اسم رقصة الميلوية وصار لوحة استعراضية بعيدة عن المقاصد الروحية والوجدانية، وقد أدخلوا إلى السماح بعض الحركات الإيقاعية، وحركات من رقص الباليه، ولهذا يطلق عليه اسم الرقص ولا علاقة له بالسماح إلا بالاسم.

ومما يذكر أن فرقة الإنشاد التراثي بقيادة أيمن الحلبي قدمت مجموعة من الأناشيد والموشحات التراثية التي تعبر عن التراث الغنائي السوري العريق ومنها:علموا المحبوب، هيمتني تيمتني، إن لم تشهد، مالي غنى، يا صاحي الصبر وقد حازت إعجاب وتقدير الجمهور الحضور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن