قضايا وآراء

المعادلة السورية للحل

| د. مازن جبور

الأزمة السورية، وبعد مضي ثلاثة عشرة عاماً على بدئها، ما زالت الحاضر الأبرز في التفاعلات الدولية، وها هي تعود مجدداً إلى الواجهة، لكن هذه المرة من بوابة الشروع بالحل، الذي يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر، ووضع العصي في الدواليب لمنع اقتراب النهاية للوضع السورية وبدء تصاعد مؤشرات الاستقرار والتنمية، وخصوصاً أن الكثير من الدول تنظر إلى الحل من زاوية مصالحها الخاصة بغض النظر عن مصلحة الشعب السوري في وحدة وسيادة واستقلال بلاده.

يمثل مشروع التعافي المبكر الذي طرحته الأمم المتحدة بخصوص سورية، نقطة خلافية على ما يبدو بين الفاعلين الدوليين في الحدث السوري، إذ كل منهم ينظر إلى المشروع بما يحاكي مصالحه، إذ قد لا يتقاطع المشروع وأثره الذي من المفترض أن يحدثه في الوضع السوري الراهن، مع مصالح أحد الفاعلين الدوليين، فمثلاً قد يقلص دوره، أو قد يتسبب بتراجع دوره على حساب تعاظم دور فاعل دولي آخر، ومن ثم قد يسعى نحو عرقلة المشروع.

والتعافي المبكر هو المفهوم الذي اتفقت عليه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2004 في سياق التعافي من الصراعات والأزمات والحروب وما بعدها، ويؤكد على التدابير المهمة القصيرة المدى التي تساعد في إرساء الأساس للسلام المستدام، وبشكل أساسي فإن التعافي المبكر هو عملية تهدف إلى الانتقال من حالة الطوارئ والاستجابة الفورية للاحتياجات الإنسانية الطارئة، إلى مرحلة تنموية أكثر استدامة بعد انتهاء الأزمات والحروب والكوارث، ويتضمن جهوداً لإعادة بناء البنية التحتية الأساسية، واستعادة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير الدعم اللازم لعودة الحياة الطبيعية للمجتمعات المتضررة من خلال دعم تعافي المؤسسات الحكومية.

وفي سياق تمرير قرار مقابل تمرير قرار آخر، يمكن فهم عدم الاعتراض الروسي باستخدام حق النقض الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الدولي التي تسمح بتسليم المساعدات عبر تركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة في سورية، وذلك مقابل دعم الدول المانحة ذاتها للتعافي المبكر في سورية، والتي يمكن أن تشكل جسر ربط ينتقل بالاستجابة للأزمة السورية من مرحلة الإغاثة الطارئة إلى مرحلة إعادة البناء، وفي الوقت ذاته يمكن فهم عدم اعتراض الولايات المتحدة الأميركية على مقترح الأمم المتحدة لإنشاء صندوق للتعافي المبكر مقره في دمشق ويمول من قبل دول الخليج العربي، وهذا يفترض إلغاء دور مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات التي تعمل في مجال الإغاثة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، على أن تستمر في العمل المنظمات والجهات التي تلتزم بالتنسيق مع الحكومة السورية للحصول على التصاريح اللازمة للقيام بأعمال التعافي المبكر.

وتجدر الإشارة إلى أن أولى الخطوات التي يقتضي الشروع بالتعافي المبكر اتخاذها، هي تخفيف العقوبات الغربية الأحادية الجانب، بما يسمح بتمويل مشاريع التعافي المبكر، وبما يساعد في تعزيز الاقتصاد السوري عبر دعم الزراعة والصناعة والبنية التحتية والقطاع الصحي ووضع برامج للتدريب والتأهيل، وهذه كلها خطوات أولية مؤسسة لخطوات أكبر تعلن البدء الفعلي بعملية إعادة الإعمار.

إن الشروع ببرامج التعافي المبكر في سورية، يعني بدء المساعي الغربية لاستعادة العلاقة مع دمشق، وفي هذا السياق يمكن قراءة الأنباء الإعلامية الواردة عن زيارة شخصية أمنية أوروبية كبيرة إلى دمشق وحديثها عن استعداد عدد من الدول الأوروبية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وفي السياق ذاته يمكن استنباط ملامح اللقاء الذي جرى بين الرئيس بشار الأسد وولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان على هامش القمة العربية الأخيرة التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة.

إن تعيين الرياض سفيراً لها في دمشق بعد عدة أيام على اللقاء، يدل على نجاح اللقاء وتمكن الرئيس الأسد ومحمد بن سلمان من خلق تفاهمات جديدة بين البلدين، ويشير إلى احتمالية التوافق على مجموعة خطوات سورية- سعودية، قد تتبلور خلال الأشهر القليلة القادمة، وبات الأمر يقتضي تعيين المملكة سفيراً لها في دمشق بما يؤمن تنفيذ تلك الخطط ويسرع عملية التواصل واتخاذ القرار.

إذاً، هناك الكثير من المعادلات التي تحكم حل الأزمة السورية، منها مسألة توازن المصالح الدولية في سورية، وما يحكم هذا التوازن من توافقات وتناقضات، سواء بين حلفاء سورية فيما بينهم أو بين أعدائها، أو بين الحلفاء والأعداء، وهو موضوع يبدو أن دمشق تتقنه جيداً، وتعلم كيف تستخدمه لتثبيت معادلتها الوحيدة لحل الأزمة السورية، وهي تحقيق وحدة وسيادة واستقلال سورية وإعادة بناء البلاد وتنميتها، وهو ما يأمل الشعب السوري تحقيقه في القريب العاجل.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن