جيل البريطانيين الجديد يتبرّأ من الصهيونية وصانعيها
| تحسين حلبي
تاريخ بريطانيا الاستعمارية تملؤه أبشع صفحات قتل الشعوب واستعبادها وحرمانها من مصادر ثروتها منذ القرن الثامن عشر حتى هذه اللحظة، فلم يشهد التاريخ حكومة واحدة أو وزيراً واحداً فيها اختلف مع زملائه تجاه ما كان يفعله الجيش البريطاني في العالم، والكل يعرف أنها استعمرت ثلث إن لم يكن نصف الكرة الأرضية من الهند إلى الصين إلى عدد من البلدان الآسيوية العربية والإسلامية والإفريقية، وهي صاحبة فكرة الصهيونية وإنشاء كيان إسرائيلي في فلسطين هو آخر الكيانات الاستيطانية الاستعمارية التي أنشأتها وورثته عنها قوة أكبر من قوتها هي الولايات المتحدة منذ الستينيات، لكن بريطانيا الاستعمارية هذه «أصبح معظم المواطنين الشبان فيها ولأول مرة في تاريخها يعتقدون الآن بأن وجود إسرائيل يجب أن ينتهي».
نشرت مجلة «أنهيرد» البريطانية في الخامس من شهر حزيران الجاري نتائج استطلاع رأي شارك فيها مواطنون بريطانيون من أعمار مختلفة تبين منها أن من يعبرون عن هذا الموقف هم 54 بالمئة من الشبان من سن 18 حتى 24، و53 بالمئة من الشبان في سن 25- حتى 34، و25 بالمئة من الشبان من سن 35 – حتى 44، وعبر عن الرأي نفسه 12 بالمئة من المواطنين في سن 45- حتى 54، و16 بالمئة من المواطنين من سن 55- حتى 64، وهذا يعني أن معظم جيل العشرينيات والثلاثينيات لم يعد يقبل بوجود إسرائيل التي صنعتها الحكومات البريطانية، كما تبين أن 50 بالمئة من المواطنين يحملون مسؤولية الحرب في غزة للحكومة الإسرائيلية و19 بالمئة فقط يحملون المسؤولية لحركة حماس، وأعرب أغلبية من الشبان عن عدم اهتمامهم بالحرب في أوكرانيا وأبدوا بالمقابل اهتماماً متزايداً بما يجري في غزة ضد الفلسطينيين، وهذا يعد مؤشراً واضحاً على أن الجمهور البريطاني الشاب والمتوسط في العمر لا يرغب بحروب بريطانيا في أي مكان، وهذا ما أثبتته إحصاءات أجرتها المجلة البريطانية الإلكترونية «ذا ديفينس بوست» في السادس من حزيران الجاري، تحت عنوان «المزيد من البريطانيين لا يرغبون بالانضمام للجيش بالمقارنة عمن يرغب».
بالمقابل يبين كاتب المقال في تلك المجلة جو سابالا، أن «المعلومات المستمدة من الحكومة البريطانية تدل على تزايد عدد الشبان الذين يستقيلون من الجيش بالمقارنة مع نسبة المستقيلين في العام الماضي، وهذا ما بدأ يؤدي إلى تفاقم أزمة الافتقار للمجندين في الجيش، وجاء في تقرير لوزارة الدفاع البريطانية أن الذين لم يرغبوا بالخدمة العسكرية في الجيش في الأشهر الاثني عشر الماضية بلغ 16140 مجنداً ووافق 10680 فقط، في حين قرر نصف من ترك الجيش التقاعد المبكر عن الخدمة»، واعترف وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أن «هذا العدد يدل على إخفاق مقلق للجيش البريطاني».
هيلي عزا الأسباب إلى «ظروف الفقر في المعيشة وتآكل معنويات الجنود»، وتشير تقارير وزارة الدفاع إلى وجود ألفين من منازل المجندين تفتقر لمستوى العيش المطلوب، فيفضل أصحابها التقاعد من الجيش للحصول على فرص أفضل مما يتيح الجيش لهم، ويلاحظ الجميع أن حملات التنديد بالاحتلال الإسرائيلي وعنصريته ومذابحه جعلت جيل الشباب البريطاني والأميركي أيضاً، لا يرغبون بتقديم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، ولا شك أن ثورة عارمة للرأي العام العالمي بدأت تفرض جدول عملها وخطابها المناقض لجدول عمل حكوماتها في أوروبا وفي الولايات المتحدة، فلم يعد الشباب يكترثون بما يسمى معاداة السامية الذي توظفه حكوماتهم الغربية لمنع التنديد بإسرائيل لأن هذا الشعار الزائف هدفه الدفاع عن المذابح التي ترتكبها إسرائيل ضد أكثر من سبعة ملايين فلسطيني ما زالوا يقيمون فوق ما بقي من ترابهم الوطني، فلم يعد هذا الجيل المنتفض يتحمل سرديات حكوماته وخطابها السياسي الداعم لبقاء أقدم احتلال استيطاني عنصري خلال أكثر من مئة عام، كما لم تعد الحركة الصهيونية قادرة على تجنيد يهود العالم في مشروعها العنصري، وشهدت أوروبا وكذلك الولايات المتحدة، حركة شباب يهودية ترفض سياسة إسرائيل ومذابحها ضد الفلسطينيين، وتعدها عاراً على يهود العالم الذين يعيشون في أوطانهم الأوروبية والأميركية كمواطنين يشاركون في تظاهرات التنديد الشعبية والجامعية ضد إسرائيل والحكومات الغربية التي تدعمها، وهذه نقطة التحول الجوهرية التي فرضتها عملية طوفان الأقصى على العالم كله وليس على الكيان الإسرائيلي ومستقبل مشروعه الصهيوني السائر نحو التفتت والزوال.