أميركا وإسرائيل قط وفأر
| منذر عيد
كثيرة هي العبر والدروس التي أفرزتها مجريات وأحداث أكثر من ثمانية أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما نتج عنها من فعل فلسطيني مقاوم، وإسناد على جبهات محور المقاومة، ليكون آخر تلك العبر لجوء الولايات المتحدة الأميركية إلى مجلس الأمن الدولي من أجل فرض وقف إطلاق النار في القطاع، لتؤكد تلك الخطوة جملة من الحقائق وسنعمل على سردها تالياً.
من الواضح أن لجوء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مجلس الأمن، جاء على خلفية رفض تلك الإدارة مشاريع قرارات عدة لوقف العدوان، ومن على المنبر ذاته الذي اتخذته بالأمس درعاً لتمرير قرار يدعو إلى «وقف إطلاق النار في غزة وتطبيق غير مشروط لصفقة تبادل الأسرى»، في مؤشر على أن تلك الإدارة والكيان عجزا عن تحقيق ما كانا يهدفان إليه في فترة الرفض، وكذلك عجزهما عن القضاء على فصائل المقاومة وتحرير الأسرى وتهجير أهل غزة إلى خارج القطاع، حيث من نافلة القول إن واشنطن لا يمكن أن تلجأ إلى القانون الدولي والأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن في حال كان بمقدورها تحقيق أهدافها بالقوة، وعليه يمكن القول: إن قرار مجلس الأمن بالأمس هو بمنزلة إعلان غير مباشر عن عجز وفشل الكيان بتحقيق ما رفعه من أهداف في بداية العدوان في الثامن من تشرين الأول الماضي.
ومن مفارقات القرار، الذي سوقه بايدن على أنه مقترح إسرائيلي، حيث قال موقع «ميدل إيست أي» إنه «خلافاً للمسودات السابقة، ينص القرار على أن إسرائيل قبلت اقتراح وقف إطلاق النار والذي يدعو حماس إلى أن تفعل الشيء نفسه»، في محاولة تهدف على ما تبدو لتبييض صفحة الاحتلال، وتسويق صورة كاذبة بأنه ما زال قادراً على اتخاذ القرارات إزاء ما يجري في غزة وأنه صاحب المبادرة، أو بهدف إحراج بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف، لتعويم المعارضة والإطاحة بالحكومة الإسرائيلية، غير أن موقف الكيان كان واضحاً وصريحاً، وبخلاف ما يدعيه بايدن، حيث أكدت مندوبة إسرائيل لدى الأمم المتحدة ريوت شابير بن نفتالي، بعد التصويت على مشروع القرار مباشرة أن القوات الإسرائيلية ستواصل عمليتها في غزة، وأن إسرائيل لن تشارك في مفاوضات «لا معنى لها مع حركة حماس»، مع تأكيدها أن إسرائيل تريد «التأكد من أن غزة لا تشكل تهديداً لإسرائيل في المستقبل»، وعلى أهمية أن «تحقق أهدافها في غزة، مثل إعادة الرهائن إلى الوطن وتفكيك قدرات حماس، وبمجرد تحقيق هذه الأهداف ستنتهي الحرب».
بايدن الذي يسعى جاهداً إلى إنهاء وجع الرأس القادم من الكيان الإسرائيلي، للتفرغ للانتخابات الرئاسية، ومقارعة روسيا والصين، دفع بوزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى القيام بجولة ثامنة في المنطقة، من أجل حض الجميع على القبول بوقف الحرب على غزة، وعلى ما يبدو فإن بلينكن، يبذل جهداً مضاعفاً لإقناع نتنياهو بذلك، عبر الترغيب والتأكيد له أن وقف الحرب وتبادل الأسرى «سيفتحان إمكانية الهدوء على طول الحدود الشمالية لإسرائيل والمزيد من التكامل مع دول المنطقة»، حسبما ذكرت وزارة الخارجية الأميركية، في مؤشر على مدى الضغط والخوف الذي تشكله الجبهة الشمالية لقادة الكيان، وربما هي حالة من لعبة القط والفأر تحاول واشنطن والكيان لعبها، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، والتسويق بأن المشكلة تكمن في المقاومة الفلسطينية وليس إسرائيل.
ما ذكر من حديث عن الخفايا والدوافع التي تكمن في لجوء واشنطن إلى مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، ليس سوى غيض من فيض الحقائق والتحليلات في هذا الموضوع، كما هي الحال في إمكانية الحديث عن الدروس التي أفرزتها عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من عدوان إسرائيلي على غزة، وإسناد محور المقاومة للقطاع، التي يمكن القول وفي الحدود الدنيا: إن المنطقة، وصورة الكيان، ومعادلة الرد، وهيبة القوة الإسرائيلية، والموقف العالمي من الاحتلال، ما بعد «طوفان الأقصى» ليست كما قبلها، وإن ما رسمه القادة الصهاينة من خطوط حمر حول كيانهم تمت إزالتها كلها، فبات جيش الاحتلال على القائمة السوداء للأمم المتحدة، باعتباره قاتلاً للأطفال الفلسطينيين، وإسرائيل «دولة» مارقة لمحاولاتها تقويض «الجنائية الدولية».
مع انكسار السردية الصهيونية طوال أكثر من سبعين عاماً، حول أحقية وجودهم في فلسطين المحتلة، وتهشم صورة الاحتلال على جبهات القتال مع المقاومة، والانقسام الداخلي الإسرائيلي سياسياً ومجتمعياً، ثمة مصير أسود يتربص بالكيان، وخاصة في ظل قيادة نتنياهو، وهو ما كشفه طبيبه النفسي موشيه ياتوم في رسالة سابقة، حيث ذكر تقرير لموقع «غلوبال ريسيرج» أن الطبيب كتب في رسالة: «لا أستطيع التحمل بعد الآن هذا الرجل مجنون ويعاني من فصام الشخصية فهو يسمي الأشياء بغير مسمياتها فالسرقة فداء، والفصل العنصري حرية، ونشطاء السلام إرهابيون، والقتل دفاع عن النفس، والقرصنة شرعية، والفلسطينيون أردنيون، والضم تحرير، ولا نهاية لتناقضاته»، وعليه فأي مستقبل ينتظر الكيان والمنطقة إذا ما استمر ذاك المجنون على ما هو عليه؟