هل باتت الصفحات الفنية تزاحم الصحافة المتخصصة بذلك؟ … ما الذي يمنع الفنان من التواصل مع الإعلام المحلي ويُقبل على الإعلام الخارجي؟
| مصعب أيوب
يحجم بعض الفنانين اليوم عن أي لقاء صحفي أو حوار إعلامي أو طرح رأي في قضية ما لكي لا يؤخذ عليهم، ولكن لهذا استثناء، فمن الممكن أن يظهر هذا الفنان مع أحد الإعلاميين الذين يرتبط بهم بعلاقة وطيدة، على حين يعاني صحافيون آخرون في تحقيق ذلك إن لم نقل يستحيل.
هجرة الجمهور المحلي
مؤخراً اتجهت كوكبة كبيرة من النجوم السوريين نحو الأعمال المعربة أو المستنسخة التي تحقق لهم دخلاً مادياً كبيراً، وهذا حقهم بكل تأكيد، ولكن ليس على حساب هجر جمهورهم المحلي وموطنهم الأم والأول، خالقين بذلك جدار فصل بينهم وبين محبيهم وأصحاب الفضل الأول في شهرتهم وانتشارهم ونجاحهم بعد أن اعتبروا أنهم لا ينتمون إلى هذه الطبقة وأنهم باتوا في مستوى طبقي أعلى، وهو ما أكده المخرج السوري طارق سواح في حوار مع «الوطن» مبيناً أن شريحة واسعة من الفنانين الذين باتوا يتعاونون مع شركات إنتاج ضخمة ومهمة ولها اسمها أو ربما مع شركات الإنتاج التركية في الدراما المعربة راحوا يصنفون أنفسهم على أنهم من الطبقة المخملية، وعليه فإن من يمكنه محاورتهم أو استضافتهم في لقاء صحفي يجب أن يكون من الطبقة المخملية أولاً ومن المخضرمين في مهنة الإعلام ثانياً.
صفقة تجارية
كما أن بعض الفنانين وتحديداً أولئك الذين يصنفون بأنهم نجوم صف أول يرفض رفضاً قاطعاً الظهور أو التعاطي مع أي وسيلة إعلامية مهما عظم شأنها إلا بعد الاتفاق مع مدير الأعمال الذي يحدد مبلغاً مادياً معيناً من أجل إجراء الحوار أو اللقاء وتحديداً وسائل إعلام وطنه الذي نشأ وتعلم فيه ومن خلاله ذاع صيته، على حين أنه مستعد للظهور في برنامج ترفيهي أو لقاء مع أحدهم في محطة تلفزيونية تدفع مبالغ طائلة مقابل هذا السبق الصحفي، ليركز سواح على أن الجانب المادي حق مشروع للفنان، مبيناً أن الوسائل المحلية لا تدفع سوى القليل ولا يعد إلا فتاتاً إذا ما قارناه بما تدفعه الوسائل الخارجية.
علماً أن ظهور الفنان في أي منبر إعلامي يعد ترويجاً لاسمه أيضاً ولأعماله، فلماذا لا يدفع الفنان للوسيلة الإعلامية التي تستضيفه؟ على الرغم من أن عمر وتاريخ تأسيس وسائل إعلامية عدة أكبر من عمر الفنان عينه، فالعملية تبادلية، وبالتالي هي ليست بحاجة للترويج لنفسها من خلال هذا الفنان أو ذاك.
تهميش وتحييد
كلما أحدثت وسيلة إعلامية أو ظهر وسيط إعلامي جديد راح أهل الفن إلى تغيير أسلوب تعاطيهم مع الإعلام، ومؤخراً تم تهميش دور الصحافة الفنية، وبالتالي بات مكانها على الرفوف بعد أن اعتمد الفنان صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لمشاركة جمهوره ومتابعيه رحلاته وتنقلاته وسهراته وحتى كواليس أعماله، ليحوّل بذلك الصحافة الفنية إلى ناقل للخبر الجاف في ظل تراجع وهج وقيمة هذا النوع من الصحافة بما لا يتلاءم مع معايير المهنة الصحفية بعد أن كان المتلقي متلهفاً وشديد التحمس لتلقي تلك الأخبار عن طريق وسائل الإعلام التقليدية، إلا أن عدداً لا يستهان به بعيد كل البعد عن الإعلام بجميع أشكاله والأسماء كثيرة.
تماس مباشر
يستعين بعض الفنانين اليوم بفريق من المتخصصين في السوشال ميديا لإدارة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد استغنى الفنان عن الصحافة إذ باتت صفحته الشخصية هي المنبر الذي يطل مدخله على جمهوره.
وقد أشار سواح أيضاً إلى أن السوشال ميديا باتت مؤخراً تلعب دوراً مهماً في عملية التواصل بين طرفي العملية الإعلامية، لينوه بأن الجهة الإعلامية العريقة والمرموقة تفرض نفسها أينما حلت، على حين أن هناك صفحات تصنف نفسها أنها فنية أو تعمل تحت اسم فنان ما لا تمت للفن بصلة ولا يمكنك التعرف على أحد منهم فمعظمهم بلا تاريخ إذ يتعذر على أبناء هذه المهنة معرفتهم.
صفحات عشوائية
وقد ظهرت مؤخراً العديد من المواقع والصفحات التي نصبت نفسها رقيباً على الفنانين ومارست دور الناقد، وهو ما بات يظهر بغزارة مع كثرة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى من دون أدنى دراية بالنقد أو الفن، وبالطبع إبداء الرأي والتأييد أو الرفض حق مشروع للجميع وليس حكراً على أحد، ولكن انتشار صفحات كهذه أو حتى أشخاص ممن امتهنوا تعظيم وتبجيل فنان ما أو النيل من كفاءة وجدارة وموهبة فنان آخر يعد عاملاً مهماً في توخي الفنان الحذر بالتعاطي مع الإعلام وربما تحاشٍ إلى حد كبير لاسيما إذا ما تم نشر أو إشاعة أخبار غير صحيحة وليست موثوقة.
منطقياً؛ لا يمكن للفوضى والعشوائية أن تزاحم التنظيم والمهنية وما هو مبني على أسس أكاديمية، إضافة إلى أن المتلقي ذا الوعي المنخفض لا يمكنه التفريق بين مصدر المعلومة الموثوق وبين ما هو مزيف أو غير موثوق، وبالتالي لا يمكن أن ينافس الصحافة سوى صحافة أكثر كفاءة وبحث وعمق وقوة، ولا يمكننا إنكار كثرة تلك الصفحات وأنها تنافس فعلاً المنبر الإعلامي الرسمي ولكن حتماً لا يمكن أن تقصي أو تلغي تلك الصفحات دور الصحافة الأكاديمية المحترفة.
وهو ما أشار إليه مخرج خماسيات الخطايا مبيناً أن الظهور في منابر إعلامية ذات انتشار واسع يجذب الفنان بطبيعة الحال، عازياً إحجام بعضهم عن الظهور في وسائل الإعلام المحلية إلى وجود معدين أو صحفيين في تلك الوسائل لا يملكون الخبرة الكافية وغير مهنيين في التعامل وربما يطرحون أسئلة مزعجة أو مستفزة ولا يلقون لها بالاً، وبالتالي يخلق ذلك زعزعة ثقة تجاه الإعلام الوطني، فمن حق الفنان أن يظهر أو يقف إلى جانب معد أو إعلامي كفء وليس مجرد أنه يحمل مايكرفوناً أو يكتب في دورية ما.
غياب الخبرة
وأفاد سواح بأن مهنة الصحافة الفنية مؤخراً ولعدم إسنادها إلى أشخاص أصحاب خبرة وكفاءة ويتمتعون بالأخلاق العالية قبل كل شيء باتت تعاني وجود بعض الأسماء لا تعطي اهتماماً للفنان العريق أو المخضرم وصاحب التاريخ الطويل في المهنة، على حين أنهم يلهثون وراء ممثل شاب حديث التخرج ولكن لمع نجمه في دور أو مشهد «ماستر»، وهو ما يمكننا ملاحظته بشدة خلال مناسبات التعازي التي يحتشد فيها الفنانون لتقديم واجب العزاء بفقيد للأسرة الفنية، بحيث يتم تهميش أشخاص مهمين على حساب ظهور أسماء في بداية انطلاقها وهو ربما يخلق موقفاً معيناً لدى الفنان يجعله يتحاشى الظهور في تلك المنابر.