قضايا وآراء

قصة نجاح

| د. بسام أبو عبد الله

تشهد الساحة السياسية السورية خلال هذه الفترة نشاطاً انتخابياً مكثفاً بدأه حزب البعث بالتحضيرات للجنة المركزية الموسعة، ثم انتخاب لجنة مركزية للمرحلة القادمة، واختيار قيادة مركزية جديدة، وقد ترك ذلك ارتياحاً عاماً في أوساط الحزب والمواطنين، ولا أخفي أن البعض أصيب بخيبة أمل، وهذه ظاهرة إنسانية وبشرية على مبدأ إرضاء الناس غاية لا تدرك.

الآن يجري حزب البعث استئناساً واسعاً لاختيار ممثليه إلى مجلس الشعب الذي سينتخب أواسط تموز القادم، وقد شارك في هذا الاستئناس الآلاف من أعضاء الحزب على امتداد الساحة الوطنية السورية، وهنا لابد من ذكر إيجابيات هذا المسار الجديد للحزب انطلاقاً من النظر لنصف الكأس الملآن، وليس الفارغ، لنعمل لاحقاً على ملء الكأس كاملاً أي لنتفادى السلبيات، ونعزز الإيجابيات، وهنا سأركز على ما يلي:

– الحزب الذي لا تشارك قواعده في اختيار ممثليه، ولا في صناعة قراراته الأساسية، هو حزب قيادات وليس قواعد، كما قال الأمين العام للحزب الرئيس بشار الأسد.

– مشاركة القواعد هي سقاية للجذور، وإحياء لها وإلا فإن الشجرة سوف يصيبها اليباس.

– هناك بعد اجتماعي كثيراً ما كنا نهمله، أو لا نعيره اهتماماً داخل الحزب، وهذا البعد أكثر من مهم بعد مرحلة الحرب الفاشية على بلدنا، وقد أعلمني أحد الأصدقاء البعثيين الذين أحترم رأيهم أن الحراك الانتخابي في محافظة السويداء مثلاً أعاد الروح للجهاز الحزبي، ودفع البعثيين لطرح الأسئلة على أنفسهم ليكونوا فاعلين ومؤثرين في مجتمعهم المحلي، وليقودوا حوارات عميقة داخله، بغض النظر عن نتائج الاستئناس الحزبي، وهذه ظاهرة بحاجة لدراسة وتفعيل وتعميق أكثر خلال المرحلة القادمة.

– أما البعد السياسي فقد خلق المسار الانتخابي نقاشات وحوارات على مختلف المستويات بدءاً من القواعد وصولاً للقيادات، وهذه البيئة الحوارية يجب أن تتعزز أكثر في المرحلة القادمة.

– إن التواصل الاجتماعي والسياسي والثقافي هو جانب مهم للغاية لتحقيق أواصر العلاقات بين أعضاء الحزب كأولوية، أي تقوية قواعد البيت الداخلي، ثم التوسع في هذا الجانب وطنياً، أي مع الأحزاب والقوى الوطنية والمجتمعية.

– أما نصف الكأس الفارغ فيمكن الإشارة إلى أهم معالمه وسماته:

مازال البعض يعتقد أن حزب البعث هو سلم يمكن استخدامه للوصول للسلطة لكونه حزباً حاكماً، وقوة سياسية مهمة في سورية، وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان، لكن هذه الظاهرة استفحلت كثيراً مع دخول المال الانتخابي لدى فئة منهم، والاعتقاد السائد أن كل شيء يباع ويشترى، أدى لإضعاف القيم والمبادئ وحتى الانتماء، وتحول الموقع العام لأداة لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب المصلحة العامة، أي «الغاية تبرر الوسيلة»، على الرغم من أن ميكيافيللي صاحب هذه المقولة طرحها ضمن إطار مصلحة الدولة وليس المصلحة الشخصية حين قال «الغاية تبرر الوسيلة إذا اقتضت مصلحة الدولة ذلك».

يكتب ميكيافيللي في كتابه الأمير أن هناك سبيلين للوصول إلى الإمارة (الموقع العام) لا علاقة لهما كما يقول بالحظ أو الكفاءة، وهما وصول المرء عن طريق وسائل النذالة والقبح كما يسميها، أو الارتقاء بتأييد المواطنين، والحقيقة أن لدي أمثلة كثيرة على السبيل الأول، وكذلك الثاني، ومهمتنا هي تعزيز الطريق الثاني (الكفاءة)، والتخفيف من الأول، وهذا عمل طويل وضروري من خلال وضع المعايير والأسس وتطويرها باستمرار.

من السلبيات قصر الزمن المتاح للحملات الانتخابية والتعرف إلى المرشحين، والأهم تطوير آليات للحوار تكشف قدرات المرشحين أمام ناخبيهم، وهذا أمر يحتاج لعلاج في المستقبل لكي يكون الانتخاب ناتجاً عن قناعة ومعرفة، وليس استناداً للأهواء الشخصية أو المعرفة السطحية.

بالطبع هناك ملاحظات أخرى كثيرة على ما جرى ويجري، لكن الأهم لتصويب وتصحيح هذا المسار المهم، هو طرح السؤال التالي الذي لا جواب واضحاً عنه من قبل من يترشح، أو يشغل موقعاً عاماً وهو: ما قصة النجاح التي حققتها لكي نعيد انتخابك، وكي تنتقل من موقع إلى آخر؟

عندما يجيب كل واحد عن هذا السؤال ستصبح النظرة مختلفة تماماً، هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو أن يكون لدينا أدوات للقياس والتقويم والمراجعة لأداء أي ممثل للحزب في الشأن العام إن في السلطة التنفيذية أو التشريعية أو في البلديات أو مهام حزبية… الخ، وسأطرح هنا السؤال التالي: هل أجرينا تقييمنا الداخلي في الحزب لممثلينا في السلطة التشريعية عن الدور التشريعي الماضي لنقرر بعدها من يستمر أو لا يستمر؟ أي عدد الجلسات التي حضرها، عدد المداخلات وتأثيرها، نشاطه العام في منطقته، مساهماته العامة، الفاعلية والتأثير في المجتمع… الخ، وكمثال هناك مؤسسات مستقلة في بعض الدول تقدم للناخب دراسات عن كل نائب قبيل الانتخابات التشريعية، أي ماذا فعل خلال الفترة التي قضاها في البرلمان، وهل وجوده من أجل حصانة وحماية شخصية؟ أم من أجل الدفع بحياة المواطنين نحو الأفضل من خلال دور البرلمان التشريعي والرقابي، وهذا سيظهر إن كان خلفه قصة نجاح أم فشل!

إذا عممنا ذلك على المجالس المحلية والتنظيمات الحزبية والوزارات وغيره الكثير، سنجد أنفسنا أمام آليات متطورة لتقييم الأداء وقصص النجاح، وهذا سيدفع أي إنسان للتفكير مرتين قبل أن يقدم على التنطح للمسؤولية، وكأنها امتياز شخصي، وليست شرفاً لخدمة الناس، ومن دون آليات للرقابة والمحاسبة والتقييم سوف نستمر بالدوران في دائرة مفرغة لا تعتمد على أسس علمية وموضوعية، بعيداً عن الشخصانية والعوامل الذاتية التي تطغى كثيراً على تقييماتنا من خلال استخدام مصطلح «الآدمي» الذي كتبت عنه مقالاً سابقاً في صحيفة «الوطن» قبل أسبوعين.

أما الأكثر أهمية فهو تكريم أصحاب قصص النجاح بشكل سنوي بعد تقييم حقيقي من حزبهم لإعطاء دافع معنوي للتقدم والعمل، وإبراز قيمة الإنجاز وتحقيق المصلحة العامة كجسر أساسي للارتقاء في العمل بعيداً عن الطرق الملتوية من النميمة والوشاية وكتبة التقارير والقيل والقال، وصولاً لإنجاز قصص النجاح بدلاً من محاربتها.

الآن لنسأل ممثلينا في كل المؤسسات السؤال التالي: ماذا أنجزت؟ وما قصة النجاح التي حققتها؟ قبل أن نقرأ سيراً ذاتية مملوءة بالمناصب، من دون معرفة قصة نجاح واحدة.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن